04-10-2025 02:14 PM
بقلم : الدكتورة فاطمة العقاربة
نواجه تحديات كبرى بمواجهة بعض الاشخاص المؤدلجين فكريا ونفسيا نحن لا نرد على هذه النفوس بالردح نحن نرد بكل منطق وعلم وبكل هدوء وعنفوان وهؤلاء نسميهم بالشخصية الدوغمائية .
حيث ان الاجتماع دائماً يقترن بالصراع، وهذه سمة طبيعية تحكم البشر والحيوان وعناصر الطبيعة كلها، وهي سنّة الحياة والبقاء وجدليتهما، وتتراوح أسباب الصراع البشري، وهذا ما يهمنا، بين اقتصادي واجتماعي، ونفسي، وديني، وغيره، أو منها كلها معاً، لكننا نعيش اليوم، صورة صراع جديد، أو متجدد، اعتقدنا أننا تخلصنا منه منذ قرون، ونقصد به "الصراع الدوغمائي"، أو الصراع الذي تحركه الدوغمائية، وهذا من أعنف الصراعات وأبشعها، لأنه يجمع مراحل العنف والإرهاب كلها، والعدوانية والحروب والإلغاء وصنوفها الفكرية والجسدية، ولا مجال فيه للقانون والمنطق والعقل...، ولا حتى الرحمة أو الإنسانية .
والدوغمائية أو الدوغماتية أو (الجزمية) هي: التعصب لفكرة معينة والجزم بها من قبل أفراد أو جماعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته، وتسمى لدى الإغريق بالجمود الفكري، وهي حالة من التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أي أنها موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك، ويعود أصل الكلمة إلى اليونانية والتي تعني الرأي الأوحد أو المعتقد الأوحد، وإن من سمات الدوغمائية القطع برأي أو معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع، وهو ما يسمى في اللغة العربية بالتعسف، وتستخدم كلمة دوغمائية أو دوغماتية أيضا لوصف الرأي غير المدعوم ببراهين
ان الإنسان ومنذ أن خُلق وهو يسعي سعيا دؤوبا إلى معرفة الحقيقة وامتلاكها، محاولا كشف منه هذا الوجود ومعرفة سر وجوده كإنسان، وهو اليوم يسعى سعيا حثيثا وبكل تَوق وعزم للوصول لأسرار الوجود الكوني، ابتداء من نواة الذرة ومكوناتها وليس انتهاء بأجرام ومجرات هذا الكون الشاسع، إذ يسعى الإنسان للمعرفة كل ما يمكن أن يصل له عقله من معلومات، حيث تقوم عليها لاحقا نظريات علمية رصينة، ويتبعها اكتشافات واختراعات غيرت مجرى الحضارة وطورتها، وانتقلت بهذه الحضارة نقلات وطفرات نوعية هائلة .
أن (وهم) امتلاك الحقيقة المطلقة، يقود إلى التعصب الدوغمائي (Dogmatism) المغلق، بحيث يصبح من الصعب على صاحبه أن يتفاعل مع أفكار غيره أو أن يتجاوز أفكاره لأنه يعتبرها قطعية، نهائية، لا تقبل المراجعة والمناقشة، هكذا تنشأ حالة التمركز، والتغذية على مرجعية ثقافية أحادية، تتحول إلى منهجية في التفكير والشعور والسلوك حيث ينزِع العديد من الأفراد أو الجماعات وخصوصا أصحاب الفكر المتشدد دينيا؛ إلى التطرف والتعصب، إذ يظنون ويتوهمون امتلاكهم الحقيقة الكاملة التي لا يعلمها فعليا وكاملة ومطلقة إلا الله تعالى وحده، وإن هذا المشكلة يرافقها مشكلة أخرى وهي التصرف بعقلية دوغمائية، جزمية أحادية متصلبة، ويبدأ ذلك عندما يعتقد بل ويجزم بعض الأفراد أو الجماعات امتلاكهم الحقيقة المطلقة، وما الجمود الفكري الدوغمائي والتعصب للآراء الخاصة والتطرف ورفض مجرد الاطلاع على آراء الغير؛ إلا بسبب وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، وحتى إن الشخص ذو العقلية الدوغمائية لو بان وظهر له عوار أفكاره وقناعاته، إلا إنه مع ذلك يبقى مصرا عليها، وبل إنه يحارب لأجل هذه الأفكار والقناعات ومن أجل أن يقنع الآخرين بها، وحتى ولو تم دحض أفكاره وتبيين أنها ليست حقيقة مطلقة وإنه يوجد ما ينفيها ويبددها، إلا إنه يبقى مصرا عليا، فللأسف إننا أمام حالة من التعصب والتطرف الفكري الشديد للغاية والجمود الفكري والدوغمائية، حيث يقودهم إليها وهمهم بـ (امتلاك الحقيقة المطلقة).
وأن الإنسان أصلا غير مؤهل ذهنيا لامتلاك الحقيقة المطلقة، فطبيعة الإنسان وماهيته لا تحتمل العلم أو امتلاك الحقيقة المطلقة، لأن الله وحده من يعلمها، وليس من لوازم طبيعته العلم بالحقيقة المطلقة.
والسبب الرئيس لظهور العقلية الدوغمائية هو الاعتقاد المتهافت والوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة؛ وبالتالي التعصب والتطرف لهذا الوهم وهذه الدوغمائية. "فالتطرف والتعصب مصطلحات ذات مدلولات واحدة أو متقاربة عند كثير من الناس، ولكن الأقرب إلى الدقة هو أن التعصب والتطرف فرعان لشجرة واحدة يتغذيان من نفس التربة وبينهما علاقة جدلية وجذرية قوية
إذ "يُستخدم مصطلح التطرف (Extremismn) كتوصيف من الآخرين، حيث يطلق على مجموعات أو أفراد بعينهم (وخصوصا لدى السلفيين المتشددين دينيا)، وهو توصيف لا يلقى القبول بطبيعة الحال من الجهات المعنية به، إذ لا أحد يقبل بمثل هذا التوصيف المعياري لنفسه، عدا عن أن المتطرفين يقدمون أنفسهم كأصحاب حقيقة مبشرين بأفكار يعتبرونها عين الصواب، لذلك كثيرا ما يُستخدم المصطلح لوصف الجماعات الراديكالية (Radicalist) التي تذهب برؤيتها إلى جذر المشكلة وترفض الحلول الجذرية والثورية حتى لو استدعى ذلك استخدام العنف أو الدعوة إليه لفرض تصوراتهم وقناعاتهم الأيديولوجية على الآخرين بالتسلط الفكري والعنجهية الغير مبررة .
(مجلة العلوم الاجتماعية العلمية )
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-10-2025 02:14 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |