04-10-2025 08:55 AM
بقلم : د. محمود الحبيس
51 ألف طالب وافد يدرّون 250 مليون دينار سنوياً، لكن.....!
في عالمٍ أصبحت فيه صناعة التعليم الدولي منافساً قوياً لقطاعات السياحة والطيران من حيث العوائد الاقتصادية، يجد الأردن نفسه أمام اختبار استراتيجي حاسم. حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن الجامعات الأردنية تحتضن اليوم ما يقارب خمسة وخمسين ألف طالب وافد من 108 جنسيات، يضخون في الاقتصاد الوطني نحو 250 مليون دينار سنوياً. ورغم أن هذه الأرقام تبدو مبشرة على المستوى المحلي، إلا أنها تكشف هشاشة المقارنة مع دول أخرى؛ فتركيا استقطبت أكثر من 300 ألف طالب، وماليزيا تجاوزت 130 ألفاً، فيما تسعى السعودية للوصول إلى 100 ألف بحلول 2030.
الطلبة الوافدون ليسوا مجرد أرقام جامدة، بل هم قوة ناعمة وداعمة للأردن، وسفراء غير رسميين يحملون صورته وثقافته إلى أوطانهم. كثير منهم يعود ليصبح صانع قرار في بلده، مما يجعل الاستثمار فيهم استثماراً في نفوذ الأردن الإقليمي والدولي. لكن، ورغم هذه الحقيقة التي لا تخطئها عين، يبقى السؤال المؤلم: هل نمتلك الأدوات الكافية لتحويل هذه الفرصة إلى مكسب استراتيجي دائم؟
وزارة التعليم العالي والجامعات الأردنية الرسمية والخاصة بذلت جهوداً لا يُستهان بها، من خلال إنشاء مديرية تُعنى بالطلبة الوافدين، وتقديم رعاية أكاديمية واجتماعية، وتنظيم أنشطة ثقافية وتعليمية سياحية تسهم في تعزيز اندماجهم بالمجتمع المحلي. كما لعب المستشارون الثقافيون في الخارج دوراً لا يُنكر في متابعة شؤون الطلبة وتذليل العقبات التي تواجههم. غير أن هذه الخطوات، على أهميتها، تبدو بطيئة إذا ما قورنت بالسرعة التي تسير بها دول الجوار في سباق استقطاب العقول الشابة.
المشكلات لم تعد خافية؛ فالإجراءات الإدارية المتعلقة بالقبول والتأشيرات والإقامة قد تستغرق أكثر من شهرين، في حين تمنح دول منافسة التأشيرة خلال أيام. أما التوزيع، فيكشف عن تركّز 75% من الطلبة في خمس جامعات فقط، وهو ما يضعف عدالة الفرص ويجعل بعض المؤسسات عاجزة عن الاستفادة من هذا السوق التعليمي المتنامي. يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة التي تصل إلى 4 – 6 آلاف دينار سنوياً، مما قد يدفع بعض الطلبة لإختيار وجهات بديلة، في وقت تتصاعد فيه المنافسة الإقليمية بشراسة. أضف إلى ذلك المديونية الجامعية التي تجاوزت 150 مليون دينار في الجامعات الرسمية، حيث تمثل هي الأخرى قيداً ثقيلاً يمنع الجامعات من تطوير خدماتها لتكون أكثر جاذبية ومنافسة. بينما يلاحظ ان مؤسسات التعليم العالي الاهلية نشيطة بتقديم برامجها وتسجل دورا متميزا باستقطاب الطلبة ومع ذلك ليس كافيا ؟؟.فهذا النشاط بحاجة لإعادة النظر بتشبيك مع المؤسسات الاخرى.
وبينما تُقرع أجراس الخطر في المنطقة، ما زال الأردن يتعامل مع هذا الملف باعتباره إنجازاً رقمياً أكثر منه مشروعاً وطنياً شاملاً.
لقد بذلت وزارة التعليم العالي جهوداً مشكورة في إقامة المعارض التعليمية في عدد من الدول، وسافر المعنيون لتمثيل الأردن والجامعات الأردنية الرسمية والاهلية في هذه المحافل، غير أن جوهر التحدي لا يكمن في مجرد السفر أو تنظيم المعارض، بل في حصيلة هذه الأنشطة. وحتى الآن، لم يجرِ تقييم علمي وموضوعي لمدى انعكاس هذه الجهود على زيادة أعداد الطلبة الوافدين قياساً بالسنوات السابقة. فالقيمة الحقيقية لأي معرض لا تُقاس بعدد الزيارات والصور المنشورة، بل بعدد المقاعد التي امتلأت في قاعات الدرس، والنتائج التي دعمت الاقتصاد الوطني وأثرت الحراك الأكاديمي.
وهنا تبرز نقطة ارتكازية مهمة، تتمثل في تفعيل دور المكاتب الثقافية الأردنية في الخارج، بحيث يتم اختيار الملحقين الثقافيين بعناية ليكونوا أدوات فاعلة في استقطاب الطلبة، وليؤدوا دوراً تسويقياً ديناميكياً قادراً على ربط الجامعات الأردنية بالخارج والترويج لها بمرونة وحرية تواصل. كما أن إعادة صياغة المشكلات الإدارية تبقى ضرورة ملحّة، من خلال تبسيط إجراءات القبول والتأشيرات والإقامة عبر بوابات عمادات شؤون الطلبة أو عبر نافذة خاصة بالطلبة الوافدين داخل كل جامعة، مع متابعة مباشرة من وحدة الوافدين في الوزارة، وايضا دراسة العرض والطلب في دول اخرى وبخاصة التكاليف .
أما قضية تركّز 75% من الطلبة في خمس جامعات فقط، فهي بحاجة إلى إعادة نظر جذرية تضمن تنشيط بقية المؤسسات الأكاديمية الرسمية والخاصة على حد سواء.
التقديرات تشير إلى إمكانية رفع عدد الطلبة الوافدين إلى 70 أو حتى 80 ألفاً بحلول 2030، لكن ذلك يتطلب خطة وطنية متكاملة تقوم على تبسيط الإجراءات عبر نافذة واحدة، وتسعير تنافسي للبرامج، وتوسيع نطاق الشراكات الدولية، إلى جانب تسويق الأردن كبيئة تعليمية آمنة ومستقرة. فالتأخير هنا ليس مجرد تأخير إداري، بل خسارة سوق عالمية لا ترحم من يتردد.
إن استقطاب الطلبة الوافدين لم يعد ملفاً ثانوياً في سياسات التعليم، بل قضية اقتصادية وسيادية تمس سمعة الأردن ودوره الإقليمي. وبين أرقام تبشّر ومؤشرات تُنذر، يبقى السؤال قائماً: هل تتحرك وزارة التعليم العالي بتبني خطة جريئة تُخرجنا من دائرة الانتظار، أم نظل نكتفي بما لدينا بينما يركض الآخرون مسرعين نحو المستقبل؟
ولعل الطريق نحو الإجابة يبدأ بخطوات عملية، أبرزها:
١- أن تتولى الوزارة وضع خطة ترويجية متكاملة تستهدف زيادة أعداد الطلبة وتشجيع إقامة ذويهم ضمن خارطة تفصيلية واضحة.
٢- إنشاء نافذة إلكترونية موحدة لمتابعة شؤون الطلبة الوافدين وتذليل العقبات التي تواجههم.
٣- تفعيل دور المكاتب الثقافية الأردنية في الدول ذات الأولوية، بما يجعلها منصات نشطة للتسويق الأكاديمي.
٤- مراجعة وتفعيل الاتفاقيات الثقافية المبرمة بين الأردن والدول العربية والأجنبية، وضمان وجود برامج تنفيذية حقيقية لها.
٥- تعزيز التواصل مع البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الأردن من خلال مديرية أو وحدة إدارية متخصصة تُدار بكفاءات فاعلة ومؤثرة.
٦- إيجاد قنوات إعلامية مؤثرة للتواصل المستمر مع الطلبة الوافدين وتسليط الضوء على فرص التعليم في الأردن.
لذا يمكن للجامعات الاهلية ان تعزز من ادوارها بتكليف دوائر فيها للسعي لزيادة حجم إقبال الطلبة الوافدين عبر وسائل إعلامية نشيطة او تبني اسلوب التواصل المباشر مع الجهات الرسمية في الدول الخارجية .وهنا فأن الجامعات التي كانت تستقبل أعدادًا كبيرة من الوافدين قد تراجعت بشكل واضح .
مطلوب من الجامعات الرسمية والأهلية ان تباشر الإجراءات اللازمة للقيام بهذا الدور .
بهذا، يصبح الملف أكثر من مجرد أرقام، بل مشروعًا وطنيًّا متكاملًا قادرًا على أن يجعل الأردن لاعبًا رئيسًا في سوق التعليم الدولي.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-10-2025 08:55 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||