01-10-2025 03:31 PM
بقلم : أ.د غازي الرقيبات
لم يكن المزاد العلني الأول من نوعه في المملكة لبيع الأرقام المميزة مجرّد فعالية مالية عابرة، بل محطة فارقة في التفكير الاقتصادي الوطني، فالمزاد الذي حقق حصيلة بلغت 4.76 مليون دينار، خُصصت كاملة ايراداته لدعم صندوق الطالب الجامعي، جاء ليؤكد أن الإرادة السياسية وبتوجيهات سامية قادرة على تحويل حتى الموارد غير التقليدية إلى رافعة تنموية تضع الإنسان الأردني المتعلم في مقدمة الأولويات.
إن توجيه ريع هذه الأرقام لتمويل المنح والقروض الجامعية، بما يتيح شمول نحو 3500 طالب إضافي في العام الدراسي الحالي، يمثل انعطافة نوعية في السياسات الحكومية؛ إذ يبرهن أن الحكومة، برئاسة دولة الدكتور جعفر حسان، تمتلك القدرة على الجمع بين الإبداع في إدارة الموارد والالتزام العميق بالعدالة الاجتماعية، وهذه خطوة تليق بدولة عُرفت دوماً بأنها تستثمر في الإنسان قبل أي شيء آخر.
لقد أثبتت التجارب الدولية أن الاستثمار في التعليم هو الخيار الأنجح على المدى الطويل، ففي دول مثل فنلندا وكوريا الجنوبية، كان التعليم هو الجسر الذي عبرت عليه تلك المجتمعات من ضيق الموارد إلى اتساع النهضة، واليوم، يخطو الأردن خطوة مشابهة حين يحوّل ما قد يُعدّ تفصيلاً ثانوياً – مثل أرقام المركبات – إلى وسيلة استراتيجية لتمويل المستقبل العلمي لشبابه، إنها معادلة شبيهة بما فعلته دول أخرى حين حولت عوائد غير تقليدية، كرسوم السياحة أو الصناعات الإبداعية، إلى صناديق داعمة للتعليم والبحث العلمي، وما يميز المبادرة الأردنية أنها جاءت منسجمة مع رؤية الاعتماد على الذات، حيث يُعاد تدوير الموارد الوطنية لتصب في خدمة المواطن، بعيداً عن الانتظار أو الارتهان لمساعدات، إنها رسالة عملية إلى الشباب بأن دولتهم لا تكتفي بالخطاب، بل تحوّل الأفكار إلى سياسات، والسياسات إلى أفعال، وفي هذا السياق، يستحق رئيس الوزراء وفريقه الوزاري الإشادة لما أظهروه من جرأة في تبني مثل هذه الخطوة، التي تجمع بين البُعد الاقتصادي والبعد الاجتماعي القيمي في آن واحد، فقرار كهذا لا يقاس فقط بما يوفّره من أرقام مالية، بل بما يغرسه من ثقة في نفوس المواطنين بأن دولتهم قادرة على إيجاد الحلول الخلاقة مهما ضاقت الخيارات.
إن مبادرة بيع الأرقام المميزة وتخصيص ريعها لدعم الطالب الفقير في مؤسسات التعليم العالي ليست مجرد إجراء مالي؛ بل هي فلسفة جديدة في الحكم، تتلخص في أن أي مورد، مهما كان بسيطاً أو غير تقليدي، يمكن أن يتحول إلى فرصة لبناء الإنسان الاردني، وهذه بالضبط هي البذرة التي تُنبت نهضة حقيقية، وتضع الأردن على خطى الدول التي جعلت من التعليم قاطرة التنمية وأداة السيادة الوطنية، وبانتظار القادم من المبادرات المماثلة والخلاقة....!
أ.د غازي عبدالمجيد الرقيبات
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-10-2025 03:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |