بقلم : رهان طارق المجالي

في ظل الاقتصاد العالمي المتسارع التحوّل، تبرز الريادة الرقمية كقوة محورية تعيد تشكيل طريقة إنشاء الأعمال وتوسيعها واستدامتها. فالريادة الرقمية تقوم أساسًا على توظيف التقنيات والمنصات الرقمية لبناء المشاريع وإدارتها وتطويرها، وهي تختلف عن الريادة التقليدية بتركيزها على الابتكار، والاتصال العالمي، والاستفادة من البيانات والأنظمة الرقمية في خلق القيمة.

يمكن تتبّع تطور الريادة الرقمية منذ بروز التجارة الإلكترونية في أواخر التسعينيات، مرورًا بانفجار وسائل التواصل الاجتماعي مطلع الألفية، وصولًا إلى عصر اليوم الذي يشهد ثورة في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين. هذه المحطات التاريخية فتحت المجال أمام رواد الأعمال للوصول إلى الأسواق العالمية بسرعة، وجذب الاستثمارات، وتوسيع نطاق أعمالهم بطرق لم تكن ممكنة من قبل.

لقد أوجد التحول الرقمي فرصًا غير مسبوقة لرواد الأعمال حول العالم، ولا سيما الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، حيث أصبحت قادرة على تقليل التكاليف التشغيلية، والوصول إلى شرائح متنوعة من العملاء، والمنافسة مع الشركات الكبرى. فعلى سبيل المثال، أحدثت شركات التكنولوجيا المالية في إفريقيا ثورة في مجال الشمول المالي، بينما ساهمت شركات التجارة الإلكترونية في آسيا والشرق الأوسط في ربط ملايين المشترين والبائعين عبر الحدود.

ورغم هذه الفرص، فإن الطريق أمام الريادة الرقمية مليء بالتحديات. فهناك عقبات تقنية مثل تهديدات الأمن السيبراني، وضعف البنية التحتية المتقدمة، والتطور السريع للتكنولوجيا. أما من الناحية المالية، فلا يزال الحصول على التمويل عقبة أساسية، خصوصًا في الاقتصادات النامية. كما أن التعقيدات التنظيمية وغياب السياسات الرقمية الفعّالة تقف حجر عثرة أمام نمو الكثير من المبادرات.

ومع ذلك، لا تخلو الساحة من قصص نجاح ملهمة. فقد تمكنت شركات مثل Zoom وShopify وCareem من إحداث تحولات جوهرية في قطاعاتها، وخلق فرص عمل جديدة، والمساهمة في تلبية احتياجات مجتمعية ملحّة. هذه النماذج تبرز مرونة الريادة الرقمية وقدرتها على مواجهة التحديات واغتنام الفرص.

أما المستقبل فيبدو واعدًا، إذ ستلعب الريادة الرقمية دورًا مركزيًا في دعم الابتكار الأخضر، وتطوير المدن الذكية، وتعزيز الاقتصادات المعرفية. وبفضل قدرتها على دمج الابتكار مع الاستدامة والشمولية، فإن الريادة الرقمية لا تعيد تشكيل الأسواق فحسب، بل تسهم أيضًا في رسم ملامح مستقبل النمو الاقتصادي العالمي.