حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,28 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 12876

الحبيس يكتب : ما أكل الذئب أحدًا… لكنه ابتلع وزارتين كاملتين!!!

الحبيس يكتب : ما أكل الذئب أحدًا… لكنه ابتلع وزارتين كاملتين!!!

الحبيس يكتب : ما أكل الذئب أحدًا… لكنه ابتلع وزارتين كاملتين!!!

26-09-2025 10:54 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود الحبيس
تحولت قصة "ليلى والذئب" في نسختها الأردنية إلى حكاية وزارة جديدة، نصفها مدرسة ونصفها الآخر جامعة. الموظفون يقلبون الملفات ببطء. ..كل ورقة… كل توقيع… يحمل حلم آلاف الطلبة. خمس مديريات رئيسة – البعثات، القبول، المعادلة، الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات – كانت كقصور صغيرة تحرس النظام. لكن من بعيد… يظهر الذئب. دمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التربية. في الأردن، لا تنتهي التجارب الوزارية، فقد قررت الحكومة أن تُنزل على قطاع التعليم ضربتها الأخيرة: بدمج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع وزارة التربية والتعليم. خطوة تسوَّق بإعتبارها "إصلاحاً هيكلياً"، لكنها في الحقيقة ليست سوى عملية تجميل بيروقراطية تُخفي تحتها أزمات أعمق وأخطر. في بلد يعاني أصلًا من مدارس تتساقط جدرانها على رؤوس الطلبة، وجامعات تتسابق في الهبوط على التصنيفات الدولية، جاءت هذه الفكرة العبقرية لتضيف طبقة جديدة من الفوضى الإدارية. من يجرؤ اليوم أن يزعم أن دمج وزاراتٍ مترهلة أصلًا سيجعلها أكثر كفاءة؟ وزير واحد يُفترض به أن يراقب التعليم الأساسي، ويُعالج نزيف هجرة العقول، ويُقنع الباحثين بالبقاء في مختبرات متهالكة، بينما هو(الوزير) بالكاد يستطيع إدارة جدول اجتماعاته. أي منطق هذا؟!!

ليلى تمسك سلّة مليئة بالشهادات والمنح والبعثات والأبحاث. كل خطوة نحو مستقبلها محفوفة بالمخاطر كون الذئب يقترب. كل يوم تأخير… كل توقيع مفقود… يثير القلق. هل سينجح مشروعي؟ هل سألحق بالجامعة؟" همست ليلى. في لحظة لا تخلو من المجازفة، يُدفع بمستقبل التعليم إلى مغامرة غير محسوبة: دمج وزارة التعليم العالي بوزارة التربية أو التعليم العام. قرار يبدو في ظاهره إصلاحياً، لكنه يخفي في أعماقه بذور خللٍ قد ينسف ما بُني خلال عقود من الجهود والتراكمات المؤسسية.

الذئب يبتسم بخبث: سأحول هذه القصور إلى بيت واحد، وسيبدو الطريق أسهل. لكن ما إن اقترب، حتى بدأ يبعثر الملفات: (تأخر التصديق على الشهادات بنسبة 30–40%.) ، (تراجع الدعم المالي للجامعات 30–40%.) ، (انخفاض التمويل البحثي 30%.) ، (فقد الاعتماد 20% من استقلاليته).
الدمج ليس مجرّد تعديل إداري، بل هو زلزال يعصف بالهوية المؤسسية للتعليم. إن وزارة التربية تُعنَى بالمناهج الأساسية، والصفوف، وإدارة المدارس، بينما وزارة التعليم العالي تتعامل مع (البحث العلمي، استقلال الجامعات، التخصصات، والعلاقات الدولية). الجمع بينهما ليس تكاملاً، بل تصادم عالمين مختلفين: أحدهما يعالج الأبجدية، والآخر يطوّع الذرّة.
الخبراء يصفون هذه الخطوة بأنها "بيروقراطية مضاعفة"، إذ بدل أن تنخفض التكاليف، ستزداد المخصصات للجان والتنسيق والمستشارين الجدد.

والنتيجة:
أموال أقل للطلاب والباحثين، وأموال أكثر لجيوب الطبقة السياسية التي تتغذى على الفوضى. الأخطر من ذلك أن هذا الدمج يوجه رسالة قاتلة إلى المجتمع الأكاديمي: البحث العلمي ليس أولوية. الجامعات ستتحول إلى مجرد ملاحق للمدارس، والطالب الأردني سيجد نفسه في نظام لا يعرف من أين يبدأ؟! وأين ينتهي؟!.
القلق يتسلل للجميع .مازن المبتعث في أوروبا يراقب شاشة حاسوبه: "كل يوم تأخير يعني فصل ضائع!" نورة، المعلمة، تواجه 1.7 مليون طالب في المدارس، والضغط يزداد يوميًا. داليا، الباحثة، ترى مشاريعها تتلاشى بلا تمويل…

المنافسة الدولية في خطر. أخطر ما في الدمج أنه يضرب استقلالية الجامعات في مقتل. كيف يمكن لجامعة عريقة أن تخضع لإجراءات بيروقراطية اعتادت التعامل مع دفاتر المدارس ومعلمي الصفوف؟ الجامعة كيان بحثي يحتاج إلى حرية في القرار الأكاديمي، والتمويل، والتعاون الدولي.

حين تذوب هذه الصلاحيات في بحر البيروقراطية المركزية، يصبح البحث العلمي تابعاً للمزاج الإداري لا لإحتياجات الأمة.

أحمد وفارس وغيرهم ، طلبة ثانويون، يسألون: "هل سنلحق بالجامعة أم يسبقنا الذئب؟" لانه لا يخفى أن الوزارة الموحّدة ستتحوّل إلى غول بيروقراطي، يلتهم الوقت والمال والكوادر. ملفات التعيين، الاعتماد، المناهج، الامتحانات، البعثات، التدريب، البحث العلمي… كلها تتكدّس على مكتب واحد. وهنا يبدأ الاستنزاف: بطء في القرار، غياب للتخصص، وإغراق المسؤولين في تفاصيل تُفقدهم الرؤية الإستراتيجية.

الأرقام لا تكذب (30–35% فقدان خبرات الموظفين.) ،(30–40% تأخير خدمات الخريجين.)،(30–40% تقليص الدعم المالي للجامعات.) والموارد الأخرى ضحية للدمج. الميزانيات التي كانت تُخصّص بدقّة للتعليم العالي قد تذوب في أولويات التعليم العام، فيُهمَّش البحث العلمي، ويُركن جانباً الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار لصالح النفقات التشغيلية اليومية. وهكذا تتحوّل الجامعات إلى مدارس كبيرة بلا روح بحثية (15–25% ضعف برامج البعثات والمنح.) ، (20–30% إضعاف الرقابة الأكاديمية والبحثية.).

كل رقم… خنجر على صدر النظام التعليمي. لقد أثبتت التجارب أن هذا الدمج في دول أخرى لم يحقق الإصلاح المنشود، بل أفرز أزمات جديدة: تعقيد في التشريعات، إرباك في الإدارة، وتآكل في جودة المخرجات. الإصلاح الحقيقي لا يأتي بخلط الزيت بالماء، بل ببناء مؤسسات قوية مستقلة، تتكامل فيما بينها بدل أن تبتلع إحداها الأخرى.

كل تأخير… يهدد مستقبل آلاف الطلاب والمعلمين والباحثين. إن التعليم العالي هو قاطرة التنمية الوطنية، ولا يجوز أن يُختزل في ملف صغير على مكتب وزيرٍ مشغول بامتحانات المدارس الأساسية. الدمج بهذا الشكل ليس إصلاحاً، بل مغامرة غير محسوبة، أشبه بوضع الذئب على أبواب بيت ليلى…

والنتيجة :
يعرفها الجميع.
نداء عاجل لدولة الرئيس
يا دولة الرئيس، إن الدمج يفتح الباب أمام تراجع المستوى العلمي. فمحاولة توحيد السياسات بين التعليم العام والعالي تفرض تنازلات مؤلمة: إمّا تخفيض سقف الجامعات لتتناسب مع الواقع المتواضع في بعض مدارسنا، أو إغراق التعليم العام بأهداف عليا لا يقدر على حملها.

النتيجة::
لا هذا تقدّم، ولا ذاك ارتقى. هذه ليست أرقامًا، إنها أحلام معلقة ومستقبل مهدد. نرفع إليكم الحاجة العاجلة إلى خطة اكتوارية شاملة:
1. تقييم مصير الموظفين، الطلبة، الجامعات، والبرامج الأكاديمية
2. تقدير التأثير المالي والإداري على الدعم والمنح والبحث العلمي.
3. خطط للتخفيف والاستجابة لأي تبعات سلبية محتملة.
4. مؤشرات متابعة دقيقة لضمان استمرار التعليم بكفاءة واستقلالية.

التعليم العالي ليس مجرد وزارة أو موازنات، بل عصب الأمة ومستقبل أجيالها. الحكمة اليوم ستحمي ليلى وسلّة أحلامها من أنياب الذئب، وتضمن استقرار منظومة التعليم وجودتها في الأردن. *الأردن ياعزيزي الذي كان يوماً ما منارة للعلم، ها هو اليوم يقدّم للعالم درساً في كيفيّة خنق المعرفة تحت وطأة القرارات المرتجلة. فإذا كان هذا هو الإصلاح الموعود، فلا عجب أن شبابها يقطعون التذاكر بلا عودة إلى جامعات أوروبا الشرقية. بأختصار: ما يحدث ليس دمجاً بقدر ما هو إعلان رسمي عن إفلاس سياسي وفكري. لكن… ليس كل القصص تنتهي بدموع.

قد تأتي "الجدة الحكيمة" في هذه الحكاية، وهي الإرادة الإصلاحية الحقيقية، لتضع النقاط على الحروف، وتُبعد الذئب عن الساحة، وتُعيد التوازن بين المدرسة التي تُخرّج الطالب والجامعة التي تُخرّج الباحث والمعلم








طباعة
  • المشاهدات: 12876
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
26-09-2025 10:54 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم