22-09-2025 09:25 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
مدخل: لحظة انهيار السردية
ما جرى في 21 سبتمبر 2025 ليس خبرًا عابرًا عن ثلاث دول غربية اعترفت بفلسطين، بل زلزال سياسي يضرب في عمق السردية الإسرائيلية منذ 1948. بريطانيا وكندا وأستراليا قالت بصوت واحد: فلسطين ليست حلمًا مؤجلًا، بل دولة قائمة.
إنه طوفان لا يغيّر الأرض فورًا، لكنه يغيّر الخرائط والوعي. طوفان يكسر القاعدة الذهبية التي عاش عليها المشروع الصهيوني سبعة عقود: الغرب يعترف بإسرائيل فقط ويترك الفلسطينيين رهائن التفاوض. اليوم، هذه القاعدة تنهار.
انقلاب في جدار الغرب
أول الرصاص أطلقته بريطانيا، الدولة التي اعترفت بإسرائيل قبل 75 عامًا، لتعلن اعترافها بفلسطين "حفاظًا على أمل السلام". كندا تبعتها محملة الاستيطان والعنف المسؤولية، وأستراليا أضافت شروطًا للإصلاح الفلسطيني لكنها لم تتراجع.
لم يكن الأمر وليد لحظة، بل ثمرة مسار بدأ مع إعلان نيويورك في أغسطس، وتنسيق فرنسي-أوروبي-سعودي تراكمي. الجديد ليس في عدد الدول، فقد اعترفت أكثر من 140 دولة من قبل، بل في هوية الدول: من قلب الغرب خرج الاعتراف، من داخل الجدار الذي طالما احتمت به إسرائيل.
ارتباك تحت الطوفان
إسرائيل لم تفاجأ لكنها ارتبكت أمام الزخم. الإعلام وصفه بتسونامي دبلوماسي، لكن المفارقة أن "الطوفان" لم يأت من العواصم العربية أو من موسكو وبكين، بل من لندن وأوتاوا وكانبيرا.
الخيارات المطروحة كشفت مأزقًا خانقًا: ضم غور الأردن يعني صدامًا مع أوروبا والخليج، طرد دبلوماسيين فرنسيين يعني مواجهة مع باريس التي لوّحت بالرد، أما اتفاقات أبراهام فظهرت هشة؛ إذ لم تمنح الخليج الغطاء السياسي للضم رغم كل الوعود. إسرائيل تلوح بالسيف، لكنها مقيدة بالظل الثقيل في نيويورك.
نتنياهو بين الإنكار والتأجيل
خطاب نتنياهو المسجّل لم يكن ردًا بل هروبًا: "لن تقوم دولة فلسطينية غرب النهر، الرد بعد عودتي من واشنطن". إنكار للواقع وربط مصير الرد بلقاء ترامب. لكن الداخل الإسرائيلي لم يبتلع الرسالة: المعارضة وصفته بكارثة سياسية، الجنرالات رأوه مقامرة خطيرة، اليمين المتطرف طالب بالضم الفوري، فيما قال غانتس إن الاعتراف يطيل الحرب ويضعف ملف الأسرى. إسرائيل اليوم بلا إجماع، بل بخطاب إنكار معلّق على الخارج.
الأسرى: جرح مفتوح
وسط هذا الطوفان، انفجر ملف الأسرى. عائلات المحتجزين لدى حماس قالت إن الاعتراف جريمة أخلاقية ما لم يبدأ أي مسار سياسي بالإفراج عنهم. تحوّلت قضية إنسانية إلى ورقة سياسية تقوّض أي مسار دبلوماسي. الداخل يصرخ: الأسرى أولًا، الخارج يعلن: فلسطين أولًا.
مشهد دولي يتغيّر
الفرق بين اعتراف 2025 واعترافات العقود الماضية أن السردية الإسرائيلية لم تعد المرجع. بريطانيا غيّرت خرائطها الرسمية: لم تعد "أراضٍ محتلة" بل "دولة فلسطين". هذا التحول الرمزي أقوى من ألف تصريح، لأنه يضرب في صميم الشرعية التي قامت عليها إسرائيل. اليوم، إسرائيل أقرب إلى جنوب أفريقيا الثمانينات، حيث الاعتراف الدولي بدأ يسبق التغيير على الأرض.
الخليج واتفاقات أبراهام
الرهان الإسرائيلي على أن التطبيع يمنح حصانة سقط سريعًا. السعودية جزء من التنسيق مع فرنسا، الإمارات والبحرين لم تعترضا. الصمت هنا أبلغ من الكلام: التحالف الإقليمي الذي روّج له نتنياهو هش، و"أبراهام" لم يعد درعًا يحميه.
الإعلام الإسرائيلي: هزيمة الصورة
رئيس هيئة الدعاية إلياف باتيتو أقرّ: نصف مليار شيكل للدعاية لم يغيّر شيئًا. صور غزة – الجوع والدمار والأطفال – هزمت كل روايات "محاربة الإرهاب". إسرائيل تخسر معركة الصورة، ومعها تفقد شرعيتها الأخلاقية. والسقوط الأخلاقي مقدمة للسقوط السياسي.
الانتظار الأميركي: ما بعد نيويورك
"الرد بعد عودتي من نيويورك" جملة تختصر مأزق إسرائيل. تاريخيًا، لم تتحرك تل أبيب في القرارات المصيرية إلا بغطاء أميركي. اليوم، إدارة ترامب الثانية تمنح دعمًا عسكريًا وسياسيًا بلا حدود، لكنها في الوقت ذاته تبحث عن تفاهمات خلفية مع إيران، وتوازنات مع أوروبا.
وزير الخارجية ماركو روبيو قالها صراحة: "الاعتراف الأحادي بفلسطين سيقابَل بخطوات إسرائيلية أحادية". عبارة بوجهين: ضوء أخضر لضم جزئي، ورسالة ضمنية لأوروبا أن واشنطن لن تعطي غطاءً كاملاً. أميركا لم تعد ضمانة مطلقة، بل تاجر ضمانات.
إسرائيل أمام جدار التاريخ
بين الداخل المنقسم، والرأي العام الدولي الغاضب، والخليج الذي أعاد حساباته، وأوروبا التي كسرت المحرمات، تقف إسرائيل اليوم أمام جدار التاريخ. الطوفان لا يرحم.
سبعة عقود احتمت بالجدار الغربي، واليوم ينهار الجدار من الداخل. إسرائيل ليست أمام مأزق دبلوماسي عابر، بل على حافة عزلة شبيهة بعزلة جنوب أفريقيا قبل سقوط الفصل العنصري. التاريخ بدأ يقول لتل أبيب: لا حصانة بعد اليوم.
---
ملحق المصادر
"واللا"، عِدان كڤول، أفي سولومون – تقارير عن الاعترافات الدولية (21/9/2025)
"إسرائيل اليوم"، دودي كوجان – تصريحات كير ستارمر وكندا وأستراليا (21/9/2025)
"معاريف" – التغيير الرسمي في الخرائط البريطانية (21/9/2025)
لوفيغارو الفرنسية – تحذيرات من رد باريس على أي خطوة إسرائيلية ضدها
الأمم المتحدة – نتائج إعلان نيويورك (أغسطس 2025)
تصريحات رسمية: نتنياهو، غانتس، لابيد، آيزنكوت، عائلات الأسرى، هيئة الدعاية المدنية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-09-2025 09:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |