بقلم :
مرح المناصير
في عالم تتزايد فيه التحديات الصحية والنفسية، تأتي الحملات الوطنية لتذكّرنا بأن صحة الإنسان ليست مجرد أرقام أو خدمات علاجية، بل منظومة قيم ومسؤوليات متشابكة. “يوم التغيير” الذي يقيمه مجلس اعتماد المؤسسات الصحية كل عام، هو واحد من المبادرات التي تحاول إعادة الإنسان إلى قلب العملية الصحية، من خلال تعهدات يلتزم بها العاملون في القطاع، لتطوير جودة الخدمات وضمان حقوق المرضى وسلامتهم.

هذا العام حمل اليوم رسالة بالغة الأهمية: “صحة أطفالنا، مسؤوليتنا”. اختيار الشعار لم يكن عشوائياً، فالأطفال هم الفئة الأضعف والأكثر احتياجاً لوعيٍ ورعاية متكاملة، لا تقتصر على الجسد، بل تشمل النفس والعاطفة والوجدان. وهنا جاءت مشاركة الأخصائية النفسية وأخصائية العلاج بالفنون، مرح المناصير، لتسلط الضوء على جانب غالباً ما يُهمل: الصحة النفسية للأطفال.

المناصير قدّمت ورشة وندوة ناقشت فيها أهمية إدماج العلاج بالفنون في التعامل مع الأطفال، مؤكدة أن الطفل كثيراً ما يجد صعوبة في التعبير بالكلمات، وأن الفنون – من رسم ونحت وموسيقى ودراما – تصبح وسيلته للتعبير عن ذاته، مواجهة تحدياته، وبناء شخصيته. هذا النوع من التدخلات لا يقتصر على الأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية أو أمراض مزمنة مثل السرطان، بل يمتد ليشمل حتى الأصحاء نفسياً، إذ يسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، تنمية إبداعهم، واكتشاف قدراتهم الخفية.

ما يلفت الانتباه في طرح المناصير هو دعوة الأهل إلى الانخراط الفعلي في هذه العملية. فمسؤولية الأهل لا تقتصر على توفير الغذاء والدواء، بل تمتد إلى فهم مشاعر أبنائهم، متابعة أي اضطرابات قد تطرأ، والتدخل المبكر قبل أن تتفاقم المشكلات. إن التربية الواعية لا تُبنى على الصرامة أو التلقين فقط، بل على الإصغاء والاحتواء.

يبقى الدرس الأهم من “يوم التغيير” أن تحسين جودة الخدمات الصحية لا ينفصل عن تحسين علاقتنا نحن – الأهل والمجتمع – بأطفالنا. فالفن، بقدر ما يبدو بسيطاً، يمكن أن يكون أداة شفاء عميقة، تفتح أبواب التعبير والحرية الداخلية، وتضع لبنات جيل أكثر توازناً وإبداعاً.

صحة أطفالنا حق، ومسؤولية، ورسالة… والأهم أنها مستقبلنا .