17-09-2025 09:40 AM
بقلم : د. خالد العمري
في داخل كل إنسان عالمٌ واسع من الأحاسيس؛ فرحٌ يتلألأ كضوء الشمس، وألمٌ يتوارى خلف الصمت، وحنينٌ يتسلل بين الذكريات. هذه المشاعر، إن ظلّت حبيسة الصدر، تتحوّل مع الوقت إلى أثقالٍ ترهق الروح وتُتعب الجسد. أمّا إذا وجدت طريقها إلى النور عبر البوح، فإنها تُزهر طمأنينة، وتغدو كالهواء الذي ينعش القلب بعد طول اختناق.
البوح ليس ترفاً ولا رفاهية، البوح هو حياة. هو أن تفتح نافذة قلبك المغلق ليدخل الضوء. هو أن تسمح لدمعتك أن تسقط دون خجل، لكلمتك أن تخرج دون خوف، لحنينك أن يعانق فضاءً رحباً. البوح ليس ضعفاً كما يظن البعض، بل هو قوة إنسانية خفية؛ شجاعة أن تقول: "أنا أتألم"، أو "أنا سعيد"، أو "أحتاج إليك". حين تبوح بما في داخلك، فأنت تسمح لقلبك أن يتخفّف من أحماله، ولعقلك أن يستعيد صفاءه، ولجسدك أن يتنفس بعمق. الدراسات النفسية تؤكد أن مشاركة المشاعر مع الآخرين تخفف من القلق والاكتئاب، وتمنح الإنسان قدرة أكبر على مواجهة الحياة.
لكن الأهم من البوح ذاته هو الشخص الذي تختاره لتبوح له. ليس كل من حولنا أهلٌ لسماع أنين أرواحنا أو لالتقاط فرحنا الهشّ. نحن نحتاج إلى إنسان صادق، يحمل قلباً رحباً وأذناً مصغية، لا يحكم علينا ولا يستخف بمشاعرنا، بل يحتضنها كما هي. وجود هذا الشخص يشبه وجود وطنٍ صغير نلوذ به كلما ضاقت بنا الطرقات.
إنّ البوح هو جسرٌ من القلب إلى القلب، ومن النفس إلى السلام. وما أسعد ذلك الإنسان الذي يجد من يقول له بلا تردّد: "تكلّم، فأنا هنا لأسمعك."
فلنمنح أنفسنا حقّ البوح، ولنبحث عن ذاك الصديق، أو الحبيب، أو المرشد، الذي يجعل من كلماتنا بلسماً، ومن دموعنا مطراً يغسل أرواحنا، ومن أسرارنا أمانة في قلبه. حينها فقط ندرك أن المشاركة ليست ترفاً، بل هي ضرورة للحياة، نعم فالبوح هو لحظة صدق عميقة مع نفسك ومع من تحب. لحظةٌ تقول فيها: "ها أنا كما أنا، بلا أقنعة، بلا خوف." وفي هذه اللحظة بالذات… يبدأ الشفاء.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-09-2025 09:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |