14-09-2025 03:31 PM
بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
لم يكن الوطن يوماً صدى صوت نردّده ولا ظلَّ علمٍ نلوّح به في المناسبات بل هو السرُّ النابض في الدم، المترسّب في خلايا القلب، الممتدّ في جذور الهوية والمقيم في أعماق الروح الوطن ليس مرآة نُعجب بانعكاس صورتنا فيها، بل هو المدى الذي نكبر فيه والمصير الذي نُصان به وهو الملاذ إن ضاقت الدنيا والمبدأ إن اختلطت الرايات.
وحين يكون الحديث عن الأردن، فنحن لا نكتب حروفًا... بل نُنزفها، لا نُجمّل حقائق... بل نحفرها، لا نغني للوطن... بل نذوب فيه فعلى تراب هذا الوطن الطيّب، تعانقت الحضارات كما تتعانق الأمواج بالشطآن هنا مرّ الأنبياء، وسارت القوافل، وارتفعت المآذن، وتحدّثت الحجارة بلغات الأمم.
ففي البتراء، ما زال الحجر ينطق باسم النبطي يحرس ممرّ العشق والتاريخ، شاهقًا في كبرياء الورد وفي جرش، تشهد الأعمدة على طقوس المجد، وعلى أناقة الزمن الروماني، حيث يتقاطع الصوت مع الصدى في مسارح الخلود أما مؤاب، ففيها النخوةُ العربية، والصبرُ الممزوج بعبق التاريخ وإذا ما وقفتَ على تخوم وادي رم، يخيل إليك أن الصحراء تعزف سيمفونية العز وأن الرمل يهمس للسماء حكاية الفداء.
ولأن الأوطان لا تنهض إلا بعقلٍ يقودها وقلبٍ يحتويها، فقد شاء الله أن يكون الهاشميّون لواء العزّ المرفوع، وأمناء الرسالة المحفوظة ، فمليكنا المفدى ليس مجرد قائدٍ، بل هو ظلّ التاريخ الهاشمي الممتدّ من بطحاء مكة إلى ثرى عمّان رجل إذا نطق، نطق بالحكمة وإذا وعد أوفى وإذا سار تقدّم الصفوف جنديٌّ في الميدان، وفي المحافل صوتُ أمّه، وفي الضمير صورةُ وطنه.
والأردني هو الإنسان الذي يصنع من القليل إنجازًا ومن الشدائد عزيمة ومن المحن منابر مضيئة هو الذي تربّى على الخبزوالكرامة وعلى النخوة والسيف، وعلى الوفاء والعلم هو الجندي الذي يقف على الحدود، لا ينام إلّا بعد أن يطمئنّ بأن كل ذرة تراب في مأمن هو المعلم الذي ينحت في الصخر جيلًا حرًا هو الأم التي تُربّي أبناءها على حُبّ الأرض قبل الكلام.
شعبٌ إذا جاع... لم يتسوّل وإذا ضاق... لم ينكسر.
الأردن ليس مجرد وطن نعيشه بل هو كيان يسكننا هو قصيدة مكتوبة بحبر الشهداء ومعلقة نُسجت من صبر الأمهات، هو دعاء الجنود في الليالي الباردة ونشيد الطلبة في الطابور الصباحي، هو صلاة في الفجر، وحكاية تُروى على ضوء قنديل قديم في الأردن، نُحبّ الوطن بلا ضجيج ونفديه بلا شروط ونرفعه في قلوبنا قبل أن نرفعه في السماء.
فلتبقى يا وطني حرًا كأنفاسك الأولى أبيًا كجبالك، طيّبًا كأرضك نقيًا كشعبك، عزيزًا كقيادتك، ولتظلّ حكايتك محفورة في صدورنا... ما بقي فينا نبض.
موفق عبدالحليم ابودلبوح
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-09-2025 03:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |