حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,11 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 12064

د. فاطمة العقاربة تكتب: الخطاب الوطني المتزن ومكافحة الارهاب

د. فاطمة العقاربة تكتب: الخطاب الوطني المتزن ومكافحة الارهاب

د. فاطمة العقاربة تكتب: الخطاب الوطني المتزن ومكافحة الارهاب

10-09-2025 10:24 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتورة فاطمة العقاربة
في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الداخل الأردني، أصبح المزاج العام في مواجهة مباشرة مع استقطاب خطابي خطير، يضعه بين مطرقة الشعبوية التحريضية وسندان الانتهازية السياسية. الشعبوية باتت تسعى إلى إعادة تشكيل الرأي العام عبر خطاب عاطفي سطحي يوهم بتمثيل مطالب الناس، بينما الحقيقة أنه خطاب يفتقد إلى حلول عملية، ويكتفي بالمكاشفة الانتقائية والشعارات الرنانة. وعلى الطرف الآخر، تظهر الانتهازية السياسية في صورة من يتقن ركوب الموجة، ينتظر اللحظة المناسبة للظهور دون أن يتحمل مسؤولية أو يقدم حلولاً حقيقية.

في خضم هذا المشهد، بدا واضحاً أن غياب خطاب وطني جامع متزن ترك فراغاً ملأته هذه الأصوات، ما جعل الرأي العام عرضة للتذبذب والتشويش. إن الموقف الرسمي، رغم التزامه بالحياد المؤسسي، يحتاج إلى تعزيز حضوره بخطاب وطني قادر على استيعاب المزاج الشعبي وتوجيهه نحو البناء، لا تركه فريسة للتأثيرات الخارجية أو الحملات التحريضية التي تتغذى على الإقليم المضطرب.

هنا يبرز مفهوم الخطاب المتزن بوصفه ضرورة وطنية. إنه خطاب عقلاني واضح، يبتعد عن الإثارة والاستعراض، ويسعى إلى بناء الفهم الجماعي وتعزيز التماسك الوطني. هذا النوع من الخطاب هو الذي يُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، ويُحصّن الرأي العام ضد محاولات التشويه والتعبئة الشعبوية. لقد أثبتت تجارب عديدة، مثل سنغافورة وفنلندا، أن الاستثمار في خطاب وطني عقلاني قادر على أن يشكل جدار صد أمام الانقسام الداخلي، والأردن ليس استثناءً من هذه المعادلة.

لكن لا يمكن الحديث عن خطاب وطني جامع دون العودة إلى الهوية الوطنية الأردنية التي تمثل المرجعية العليا والركيزة الأساسية. شعار "الله، الوطن، الملك" لم يكن يوماً مجرد كلمات، بل هو منظومة قيمية عقدية وسياسية وأخلاقية تشكلت عبر تاريخ طويل وتجربة إنسانية متراكمة. الدين في الأردن لم يكن أداة للتسييس أو وسيلة للوصول إلى السلطة، بل ظل مصدر رحمة وسلوك قويم، تحميه الدولة وتجنبه الاستغلال. وجاءت "رسالة عمان" لتكون التعبير الأوضح عن هذا النهج، حيث قدم الأردن للعالم تعريفاً جامعاً للإسلام المعتدل، رافضاً التكفير والتحزب، ومؤكداً أن الدين في جوهره جسر للوحدة لا أداة للانقسام.

إن الهوية الوطنية الأردنية، بهذا المعنى، هي خط الدفاع الأول في مواجهة كل أشكال التفكيك، سواء جاءت بلبوس الشعبوية أو التطرف أو محاولات بث الفتنة. وهي كذلك السياج الذي يحمي المجتمع من أخطر التهديدات الجديدة: الإرهاب
فالإرهاب لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل هو حرب على العقول عبر خطاب الكراهية والتحريض، أما المخدرات فقد تحولت إلى سلاح صامت يستهدف الشباب، يضرب وعيهم ويدمر طاقتهم، ليصبحوا فريسة سهلة للتطرف والانحراف.

مكافحة الإرهاب إذن ليست مسؤولية أمنية فقط، بل هي شراكة وطنية تقوم على ثلاثة مستويات:

1. الدولة التي تؤمن الإطار القانوني وتبادر بالسياسات الوقائية.


2. المجتمع المدني الذي يفعّل الوعي الشعبي وينقل المعرفة للشباب.


3. صناع المحتوى والإعلام الذين يشكلون خط الدفاع الأول عبر الكلمة والصورة والخطاب المتزن.



ولكي يترجم هذا الكلام إلى واقع، لا بد من نموذج عملي يقوم على:

إطلاق برامج تدريبية لصناع المحتوى الوطني.

إنشاء منصة رقمية وطنية للحوار العام تعكس هموم الناس وتجيب عن تساؤلاتهم.

تعزيز الشفافية الحكومية لتجديد الثقة مع الجمهور.

دمج التربية الإعلامية في المدارس والجامعات.

تشجيع شراكات بين القطاعين العام والخاص لإنتاج محتوى وطني جاذب، يعالج قضايا الإرهاب والتطرف بلغة يفهمها الناس ويتفاعلون معها.


إن الرهان اليوم على الخطاب المتزن هو رهان على المستقبل. فحين يكون المزاج العام محصناً بالوعي، يتحول إلى عنصر قوة واستقرار، لا أداة للتأزيم والتشويش. وحين تكون الهوية الوطنية هي المرجعية العليا، يصبح الأردن نموذجاً في صيانة وحدته وحماية شبابه من خطاب التطرف ووباء المخدرات.

وعليه، فإن حماية الخطاب الوطني ليست ترفاً، بل هي واجب وطني، ومسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع. إنها الضمانة الوحيدة لكي يبقى الأردن كما كان دائماً: واحة استقرار في إقليم مضطرب، ونموذجاً للاعتدال في زمن الفوضى.











طباعة
  • المشاهدات: 12064
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
10-09-2025 10:24 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم