09-09-2025 08:26 AM
بقلم : د. منذر الحوارات
تشهد المنطقة، والأردن في قلبها، واحدة من أخطر المراحل في تاريخها، حيث لم يعد المشروع الصهيوني التوسعي مجرد فكرة أو حلم أيديولوجي، بل أصبح سياسة معلنة تتجلى في تصريحات قادة الاحتلال وخططهم الميدانية، هذا الواقع المأزوم يحتم على المجتمع الأردني، بكل مؤسساته وقواه الحية، أن يتحرر من التوجس والتردد، وأن يبادر إلى تقديم الاقتراحات والرؤى.
من هنا جاء دور جماعة عمّان لحوارات المستقبل، التي عملت بجد واجتهاد على مدى عدة أشهر، عبر فرقها القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبإشراف مباشر من رئيسها بلال التل، لإعداد ورقة خريطة طريق لحماية الأردن 2025، هذه الورقة تمثل جرس إنذار وطني، وخريطة عمل جامعة، لأنها جمعت بين التشخيص الدقيق للتهديدات الخارجية والداخلية، وبين تقديم حلول عملية للتعامل معها.
الوثيقة لم تغفل القضايا المحلية الاقتصادية والديون والبطالة، لكنها وضعتها في سياق قابل للمعالجة ضمن الإمكانات الأردنية، أما تركيزها الرئيس فكان على المخاطر ذات البعد الإستراتيجي، وعلى رأسها الأطماع الإسرائيلية، فقد رصدت الورقة بوضوح التصريحات العلنية لرئيس وزراء الاحتلال حول ما يسمى «إسرائيل الكبرى»، والتي تثبت أن الأردن أصبح جزءاً من الرؤية التوسعية الإسرائيلية وخريطة أطماعها، وإلى جانب ذلك، حذرت من محاولات حسم ملف القدس والمسجد الأقصى بما يهدد الوصاية الهاشمية، ومن تصعيد الاستيطان الذي يفتح الباب أمام تصفية القضية الفلسطينية برمتها، وهو ما يشكل خطراً وجودياً مباشراً على الأردن، كما نبهت الخريطة إلى الحرب الاقتصادية والنفسية والإلكترونية التي تشنها إسرائيل على الأردن، مستهدفةً جبهته الداخلية واستقراره الاجتماعي.
ورغم هذا التشخيص الصريح، لم تقف الورقة عند حدود التحذير، بل قدمت مجموعة متكاملة من الإجراءات الواقعية، أهمها ضرورة بناء جبهة داخلية متماسكة وواعية تستند إلى ثلاثية ثابتة: العرش، والعشيرة، والجيش، هذه الركائز، بحسب الورقة، يجب دعمها ببرنامج انفتاح سياسي واقتصادي يعزز دور الأحزاب الوطنية الراسخة ومؤسسات المجتمع المدني، بما يجعلها شريكة في حماية الأردن، كما دعت الورقة إلى تعزيز التماسك الداخلي عبر دعم القوات المسلحة وتوسيع برامج خدمة العلم والجيش الشعبي، وتجهيز الملاجئ ومصادر المياه المستدامة، إلى جانب تطوير الإعلام الوطني ليكون أداة فاعلة في معركة الرأي العام، داخلياً وخارجياً.
ولم تغفل الورقة الإشارة إلى أوراق القوة الأردنية، إذ أكدت أن المخيمات الفلسطينية تشكل رصيداً سياسياً متصلًا بحق العودة، وأن التنسيق مع جميع الفصائل الفلسطينية الوطنية أصبح ضرورة ملحة لمواجهة التحديات المقبلة، كما شددت على أن السياسة الخارجية الأردنية يجب أن تستثمر رصيدها الكبير من المصداقية الدولية، ولكن دون أن تقتصر على الجانب الغربي، بل عبر الانفتاح على قوى صاعدة كالصين والهند وأفريقيا ودول الجنوب العالمي، التي باتت اليوم أكثر تأثيراً في المعادلات الدولية، وأكثر استعداداً للوقوف مع القضايا العادلة.
إن أهمية هذه الورقة تكمن في أنها لا تكتفي بتعزيز الموقف الرسمي الأردني الرافض للمشروع الإسرائيلي التوسعي، بل تسعى إلى تحويله إلى مشروع وطني يشارك فيه الجميع، فهي سياسياً تعزز الموقف الأردني وتوسع نطاقه ليصبح مسؤولية وطنية شاملة، واجتماعياً تحذر من أن الاختراق الإسرائيلي يتم عبر الاقتصاد والإعلام والحرب النفسية، ما يجعل تحصين الداخل وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع مهمة استراتيجية لا تقل عن أهمية الردع العسكري.
وبذلك، فإن ورقة خريطة طريق لحماية الأردن 2025 تتجاوز كونها دراسة فكرية بل أصبحت مشروعاً لإعادة تعريف مفهوم الأمن الوطني الأردني، على قاعدة المشاركة الشعبية والتماسك الداخلي، إنها دعوة واضحة لبناء عقد اجتماعي، يجعل من وحدة الأردنيين السلاح الأقوى في مواجهة الأطماع الصهيونية والتحديات المستقبلية، ويحفظ للأردن مكانته كدرع للأمة وركيزة لاستقرارها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-09-2025 08:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |