حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,9 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3153

عاطف ابو حجر يكتب: ذاكرة الطباشير والنجوم

عاطف ابو حجر يكتب: ذاكرة الطباشير والنجوم

عاطف ابو حجر يكتب: ذاكرة الطباشير والنجوم

07-09-2025 11:29 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عاطف أبو حجر
تمرّ السنوات وتتعاقب الأجيال، ولكن تظل بعض الأسماء راسخة في الذاكرة، لا تمحوها الأيام ولا تغيرها مشاغل الحياة. من بين هؤلاء، يقف الأستاذ والمربي الفاضل المرحوم "حسن أبو قريق الخريسات" شامخًا في الذاكرة، كما كان شامخًا في المدرسة، وفي المجتمع، وفي كل قلب عرفه أو تتلمذ على يديه.

رحل الأستاذ حسن، لكن ذكراه لم ترحل. بقيت حية في عقولنا، في ضحكته التي ما زالت ترنّ في الأذن، في طريقته في التعليم، في هيبته المحببة، وفي كلماته التي كانت تُنبت فينا احترامًا للعلم والمعرفة والانضباط.

أتذكر جيدًا يومي الأول في مدرسة البلقاء بالعيزرية في مدينة السلط، قبل أكثر من خمسين عامًا ونيف. كان صباحًا مختلفًا، اختلط فيه الخوف من المدرسة بشغف الاكتشاف، حتى دخلت الصف، ووقفت أمامك. استقبلتنا كأب قبل أن تكون معلمًا. وجهك البشوش، وضحكتك الهادئة، وصوتك الحنون... كل شيء فيك كان مطمئنًا.
علمتنا الحروف، لكنك كنت تزرع فينا ما هو أعظم من ذلك: علمتنا الأدب، والنظام، والانتماء. كنت تدخل الصف ببدلاتك الأنيقة، الزاهية الألوان، فنشعر بالفخر أننا طلاب معلم يُقدّر العلم والمظهر، ويحرص على أن يكون قدوة بكل تفاصيله.
ولا أنسى تلك اللوحة التي عُلّقت على الحائط – لوحة النجوم. كانت أشبه "بشرفية صغيرة" تمنحنا الدافع لنكون الأفضل. وكنا ننتظر أن نرى أسماءنا تحت نجمة، بخط يدك الجميل، فنتسابق إلى التميّز.
حتى العصا التي كنت تمسكها، لم تكن أداة خوف، بل رمزًا للهيبة والاحترام. لم ترفعها على أحد، ولم تضرب بها أحدًا، بل كنت تطرق بها على الرحلاية وتقول بصوتك الحازم الطيب: "سكوت!"، فيسكن الصف كله في لحظة، احترامًا لك، لا رهبة منك.
كنتَ واحدًا من أولئك المعلمين الذين يصعب تكرارهم، جمعت بين الحزم والرحمة، بين قوة الشخصية ودفء القلب. لم تكن مجرد معلم في صف، بل كنت مرجعًا أخلاقيًا وسلوكيًا وتربويًا. علمتنا كيف نكون أوفياء، كيف نحترم الآخرين، وكيف نحترم أنفسنا أولًا.
ورغم مرور السنوات، وتغيّر الأحوال، وبُعد المسافات، كنتَ لا تزال حاضرًا في كل لقاء، وكل شارع، وكل مناسبة. ما إن نراك، حتى نقف احترامًا، وننحني تقديرًا. لك هيبة لا تزول، ولك مكانة لا تُشترى، لأنها صُقلت على مدى سنين بالعطاء والإخلاص.
واليوم، وقد غيّبك الموت، نودّعك بعيون دامعة وقلوب ممتنّة. نرثيك كما نرثي الأب، ونذكرك كما نذكر أولى خطواتنا في طريق العلم.
رحمك الله رحمة واسعة، وجزاك عنا خير الجزاء، فقد كنت من الذين زرعوا فينا الخير، وتركوا فينا أثرًا لا يُمحى.
نم قرير العين، أيها المعلم الجليل، فذكراك باقية...
كما الطباشير على اللوح،
وكما النجوم على الحائط،
وكما المحبة الصافية في القلب.











طباعة
  • المشاهدات: 3153
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-09-2025 11:29 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم