حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,5 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9772

قَدَر زيد الرواشدة يكتب: الاندماجات الحزبية : بدايـة تصحيح المسار ام تجميل للمشهـد ؟

قَدَر زيد الرواشدة يكتب: الاندماجات الحزبية : بدايـة تصحيح المسار ام تجميل للمشهـد ؟

قَدَر زيد الرواشدة يكتب: الاندماجات الحزبية : بدايـة تصحيح المسار ام تجميل للمشهـد ؟

04-09-2025 03:44 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : قدر زيد الرواشدة
تشهد الحياة الحزبية في الآونة الأخيرة سلسلة من من الاندماجات الحزبية، اعتبرها البعض مؤشراً على بداية مسار جديد يهدف إلى إصلاح المشهد وإعادة ترتيب البيت الداخلي، فيما رأى فيها آخرون مجرد محاولة لتجميل الواقع أو استجابة قسرية لضغوط قانونية وتشريعية تهدد وجود الأحزاب الصغيرة.

هذه الثنائية تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة: هل نحن أمام خطوة تحمل بذور النضج السياسي، أم أننا نشهد إعادة إنتاج للأزمة في ثوب جديد؟



الحقيقة أن الاندماجات الحزبية ليست أمراً مستحدثاً، بل هي ممارسة شائعة في التجارب الديمقراطية المختلفة. ففي أوروبا وأميركا اللاتينية، كثيراً ما اندمجت أحزاب صغيرة لتشكيل تكتلات كبرى، بعضها نجح في التحول إلى قوة مؤثرة، وبعضها الآخر فشل وتفكك سريعاً.

الفارق الجوهري بين هذه التجارب وما نشهده محلياً يكمن في طبيعة الدوافع؛ ففي الغرب كانت الاندماجات غالباً نتاجاً لتقارب فكري وبرامجي، بينما تخشى بعض القراءات أن تكون اندماجاتنا أقرب إلى هروب من خطر التلاشي أكثر منها تعبيراً عن وعي سياسي عميق.

ومع ذلك، فإن إنكار البعد الإيجابي لهذه الخطوة سيكون ظلماً للواقع.

إذ لا يمكن الاستمرار في حالة الفوضى الحزبية التي كانت سائدة، حيث العشرات من الأحزاب التي لا تتجاوز في تأثيرها إطار النخبة الضيقة. الاندماج، حتى وإن كان مدفوعاً بالضرورات، قد يكون بداية لتشكيل كيانات قادرة على المنافسة والمشاركة بفعالية في المشهد السياسي.

لكن نجاح هذه الكيانات الجديدة مرهون بقدرتها على تجاوز حسابات البقاء المؤقت، والتحول إلى مشاريع وطنية كبرى تقدم برامج واقعية ترتبط بقضايا المواطن وتطلعاته.

التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه الاندماجات هو أزمة الثقة الشعبية.

المواطن الأردني والعربي بشكل عام لم يعد ينظر إلى الأحزاب بوصفها أدوات للتغيير أو حاملاً لمطالبه، بل يراها كيانات نخبوية بعيدة عن همومه. واستعادة هذه الثقة لا تتم عبر تغيير الأسماء أو دمج الهياكل، بل عبر بناء علاقة جديدة مع الشارع، علاقة تقوم على الصدق والشفافية والقدرة على تقديم حلول عملية لمشكلات المعيشة، من البطالة إلى الفقر إلى التعليم والصحة.



إن الاندماجات، مهما كانت دوافعها، ستفشل إن بقيت حبيسة المكاتب والاجتماعات المغلقة.

النجاح يتطلب انفتاحاً حقيقياً على المجتمع، وقدرة على إشراك الشباب والنساء والطبقات المهمشة في صياغة البرامج والقرارات.

وحده هذا الانفتاح سيحول الأحزاب من كيانات شكلية إلى قوى اجتماعية وسياسية فاعلة.



من زاوية أخرى، تحمل هذه الظاهرة بعداً استراتيجياً يتجاوز حدود الداخل.

ففي ظل التغيرات الإقليمية والضغوط الاقتصادية العالمية، تحتاج الدول إلى حياة حزبية قوية توفر قنوات منظمة للتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار.

غياب هذه القنوات يفتح الباب أمام العزوف أو الانفجار غير المنظم، بينما وجود أحزاب قوية يشكل صمام أمان للاستقرار السياسي والاجتماعي.

وبالتالي، فإن نجاح الاندماجات لا يخدم الأحزاب فقط، بل يخدم الدولة والمجتمع على حد سواء.



لكن، رغم هذه الإمكانات، يبقى السؤال مفتوحاً : هل ستنجح هذه الكيانات الجديدة في تجاوز إرث الماضي؟ أم ستبقى مجرد تكرار لقصص قديمة بأسماء جديدة ؟ الجواب يعتمد على إرادة الأحزاب ذاتها، وعلى مدى استعدادها لتحمل مسؤولية التحول من جماعات صغيرة تبحث عن شرعية شكلية إلى قوى سياسية وطنية تحمل مشروعاً حقيقياً للتغيير.

في النهاية، الاندماجات الحزبية ليست حلاً سحرياً ولا نهاية للأزمة.

إنها مجرد بداية لمسار طويل وشاق، يتطلب إعادة صياغة العلاقة بين الحزب والمجتمع، والحزب والدولة، وتأسيس ثقافة سياسية جديدة تقوم على العمل الجماعي والالتزام بالبرامج والشفافية.

وحده هذا المسار يمكن أن يجعل من هذه الاندماجات علامة على النضج السياسي، لا مجرد مشهد عابر يضاف إلى سجل الأزمات.











طباعة
  • المشاهدات: 9772
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-09-2025 03:44 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
كيف تقيم التعديل الوزاري الأخير الذي اجرته الحكومة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم