28-08-2025 09:55 AM
بقلم : العقيد المتقاعد محمد الخطيب
في مشهد دبلوماسي يعكس رؤية سياسية واقتصادية طموحة، جاءت زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى كازاخستان كخطوة مفصلية ضمن جهود الأردن لتوسيع آفاق التعاون الدولي، خصوصا في فضاء آسيا الوسطى الذي يزخر بالفرص غير المستغلة، ويشكل بوابة جديدة نحو شراكات مستدامة خارج الأطر التقليدية.
لم تكن زيارة جلالة الملك إلى كازاخستان مجرد حدث بروتوكولي، بل حملت رسائل سياسية واقتصادية واضحة تعكس استعداد الأردن لتكثيف حضوره في الإقليم. وقد شهدت الزيارة توقيع عدد من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون، خاصة خلال منتدى الأعمال الأردني–الكازاخستاني الذي حضر جلالته جلسته الختامية، وسط حضور واسع لممثلي القطاعين العام والخاص من الجانبين.
المنتدى ركّز على تعزيز الشراكات في قطاعات واعدة، أبرزها الصناعات الدوائية، المنتجات البيطرية، الزراعة، الخدمات اللوجستية، بمشاركة أكثر من 200 ممثل عن شركات ومؤسسات اقتصادية، بينهم ممثلو 44 شركة أردنية، برزت فرص جدية لتعزيز التعاون الاقتصادي وتنمية التجارة الثنائية.
وتسعى كازاخستان من خلال استراتيجيتها الوطنية "كازاخستان 2050" إلى تنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على النفط والغاز، بالتركيز على قطاعات الزراعة، الصحة، التكنولوجيا، والصناعة الدوائية. وهي قطاعات يمتلك الأردن فيها خبرات متقدمة، خصوصاً في مجالات الأدوية، التعليم، الرعاية الصحية، والخدمات الاستشارية، ما يفتح الباب أمام علاقات تكاملية لا تنافسية.
على الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين الأردن وكازاخستان ما زال محدودا، حيث بلغ حوالي 2.9 مليون دولار في عام 2024، إلا أن المؤشرات تؤكد وجود فرص واعدة للنمو في قطاعات غير مستغلة بالشكل الكافي، مثل الصناعات الدوائية، الملابس، والمنتجات الغذائية.
يواجه التعاون الاقتصادي بين الأردن وكازاخستان جملة من التحديات اللوجستية التي تعيق انسيابية التبادل التجاري، في مقدمتها غياب خطوط نقل مباشرة – سواء جوية أو برية – وارتفاع تكاليف الشحن، ما يحد من قدرة الشركات على توسيع نطاق أعمالها بين البلدين.
وفي ضوء هذه التحديات، هناك حاجة ملحة لفتح خطوط شحن منتظمة، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وتسهيل حركة البضائع والخدمات، بما يضمن تقليص الكلف وتقصير المدد الزمنية اللازمة لإنجاز العمليات التجارية. هذه الخطوات لا تُعد فقط ضرورية لتعزيز التعاون الثنائي، بل تمثل شرطا أساسيا لتحويل الفرص الاقتصادية المتاحة إلى واقع فعلي يخدم المصالح المشتركة.
وفي السياق ذاته، يرى خبراء الاقتصاد أهمية تركيز الأردن على تجارة الخدمات، في ظل ما يملكه من مزايا نسبية في مجالات التدريب الطبي، الاستشارات، والتعليم العالي، والتي يمكن أن تدعم مساعي كازاخستان في التحول الاقتصادي.
أما القطاع الدوائي الكازاخي، الذي تتجاوز قيمته 2 مليار دولار، فيشكّل فرصة واعدة لشركات الأدوية الأردنية، خصوصاً في ظل الحوافز التي تمنحها الحكومة الكازاخية للمصنّعين، كعقود الشراء طويلة الأجل والتسهيلات الاستثمارية.
كما يشكل القطاع السياحي نقطة التقاء مهمة بين البلدين، حيث يجمع الأردن بين السياحة الدينية والعلاجية والتاريخية، فيما تتمتع كازاخستان بطبيعة ساحرة وتراث ثقافي غني. ومن الضروري تفعيل رحلات "شارتر" أو خطوط طيران موسمية لتعزيز التبادل السياحي، ودعم التقارب الثقافي والشعبي.
في ظل الانفتاح الأردني المتسارع على دول آسيا الوسطى عقب زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى أوزبكستان، تبرز كازاخستان كدولة محورية يمكن البناء معها على أرضية صلبة من المصالح المشتركة والرؤى المتقاربة.
غير أن ترجمة هذا الزخم السياسي إلى نتائج اقتصادية ملموسة تتطلب عملاً مؤسسياً منظماً، يبدأ بمتابعة حثيثة لمخرجات الاتفاقيات التي تم توقيعها، مروراً بتعزيز التنسيق بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل دور السفارات والمجالس الاقتصادية المشتركة، وصولاً إلى إيجاد حلول عملية للتحديات اللوجستية والإجرائية التي تعيق تدفق السلع والخدمات.
وإذا تمكن الأردن من استثمار هذا الزخم الملكي وتحويله إلى خطة تنفيذية واضحة المعالم، فإن العلاقة مع كازاخستان قد تشكل نموذجاً رائداً للتعاون الإقليمي خارج النطاق التقليدي، ورافعة جديدة لرؤية التحديث الاقتصادي الأردنية 2033.
فالأردن اليوم يخطو بثقة نحو عمق آسيا الوسطى، حاملاً معه خبراته التراكمية، وشراكاته من القطاع الخاص، ورؤية ملكية تسعى إلى بناء شراكات استراتيجية عادلة ومستدامة، تتجاوز الجغرافيا وتستند إلى المصالح المتبادلة والتنمية المشتركة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-08-2025 09:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |