26-08-2025 02:45 PM
بقلم : المحامي محمد عيد الزعبي
رغم ما حظيت به الأحزاب السياسية في الأردن من تسهيلات واسعة، بدءًا من السماح بترخيصها وتشجيع جلالة الملك عبدالله الثاني لها، ومنحها دورًا مهمًا في الحياة السياسية من خلال البرلمان ومجلس الأعيان، وصولًا إلى عدم تدخل الجهات الأمنية في إدارتها، إلا أن حضورها على أرض الواقع ما يزال باهتًا وضعيف التأثير، وكأنها مجرد عناوين على الورق أكثر من كونها أدوات حقيقية للتغيير.
المعضلة ليست في النصوص أو القوانين، وإنما في طبيعة هذه الأحزاب نفسها؛ إذ إن أغلبها بلا قاعدة جماهيرية صلبة، ولا برامج سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية قادرة على إقناع المواطن أو ملامسة همومه اليومية. كثير منها وُلد من رحم النخب السياسية التقليدية لا من نبض الشارع، فجاء بعيدًا عن قضايا الناس، وفشل في استقطاب الشباب أو طرح حلول عملية لمشكلات البطالة والفقر وغياب التنمية المتوازنة.
يضاف إلى ذلك أن معظم هذه الأحزاب تفتقر للتجديد في القيادة، وتظل أسيرة شخصيات هي ذاتها منذ سنوات، ما جعلها تدور في حلقة مفرغة من الخطابات والشعارات المكررة. كما أن ضعف التواصل مع القواعد الشعبية، وغياب العمل الميداني المنتظم، جعلاها غريبة عن الشارع، تُرى فقط في موسم الانتخابات أو عبر بيانات عامة لا تترك أثرًا حقيقيًا.
أما من حيث العدد، فإن الساحة الحزبية في الأردن تبدو مزدحمة على نحو غير صحي؛ أحزاب كثيرة ومتفرقة تتقاسم المشهد دون أن يمتلك معظمها أي وزن سياسي، وهو ما أدى إلى حالة من “التكدس بلا جدوى” بدلًا من تكتلات قوية قادرة على المنافسة وصناعة القرار. ومن واقع المتابعة، فإن الأردن لا يحتاج فعليًا لأكثر من ثلاثة أحزاب كبرى، تمثل التيارات الوطنية الرئيسة وتتنافس على أساس البرامج لا الأشخاص، بما يمهد الطريق لحكومات برلمانية حقيقية في المستقبل.
ولعل ما يضعف هذه الأحزاب أيضًا هو غياب المنافسة الداخلية، وانعدام آليات ديمقراطية فاعلة داخلها، الأمر الذي يجعلها مجرد منصات للنخب القديمة لا حاضنات لتأهيل قيادات سياسية جديدة. والنتيجة أن المواطن لم يجد بعد الحزب الذي يمنحه الثقة ويدافع عن قضاياه بشكل مستمر لا موسمي.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مطروحًا بإلحاح: هل سنشهد قريبًا ولادة حزب قوي يمتلك قاعدة جماهيرية وبرنامجًا واقعيًا قادرًا على التأثير وصناعة القرار؟ أم أن المشهد سيتجاوز هذه المرحلة مباشرة نحو تجربة حكومة برلمانية في المجلس النيابي القادم، حتى قبل أن يكتمل نضج العمل الحزبي؟
الجواب سيعتمد على مدى جرأة القيادات الحزبية في إعادة هيكلة صفوفها، وعلى استعداد الشارع الأردني لمنح ثقته لمشروع سياسي جاد، لا لشعارات موسمية تتبخر بعد صناديق الاقتراع.
توصيات لإحياء الحياة الحزبية في الأردن
لكي تنتقل الأحزاب السياسية من حالة الوجود الشكلي إلى الفاعلية الحقيقية، هناك خطوات لا بد من اتخاذها بجرأة:
1. الاندماج وتقليص العدد: دمج الأحزاب الصغيرة والمتشابهة في التوجهات ضمن كيانات أكبر وأكثر قوة، حتى يتقلص العدد إلى ثلاثة أو أربعة أحزاب رئيسة تمثل مختلف التيارات الوطنية.
2. تجديد القيادات: ضخ دماء جديدة في الصفوف القيادية، مع فتح المجال أمام الشباب والكوادر المؤهلة للصعود إلى مواقع القرار.
3. برامج واقعية لا شعارات: إعداد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، ترتكز على حلول عملية قابلة للتنفيذ وتخاطب هموم المواطن اليومية.
4. التواصل الميداني المستمر: النزول إلى الشارع، وتنظيم لقاءات وجولات دورية في المحافظات والقرى والمخيمات، لتكون الأحزاب قريبة من الناس لا حبيسة المكاتب.
5. شفافية التمويل والإدارة: نشر تقارير دورية عن مصادر التمويل وآليات الصرف، لتعزيز الثقة الشعبية وإغلاق الباب أمام أي شبهات.
إن تبني هذه الخطوات لن ينعكس فقط على قوة الأحزاب، بل سيسهم في تحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية الأردنية، ويفتح الطريق أمام حكومات برلمانية تمثل الإرادة الشعبية بحق، بدل الاكتفاء بالحديث عن الإصلاح دون ترجمة واقعية على الأرض.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-08-2025 02:45 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |