بقلم : حسني عايش
ثوماس إركسون خبير عالمي في السلوك البشري وعالم نفس سويدي مرجعي كبير، بيعت كتبه فيهما بالملايين، ومنها كتابه عن الكذب والكذابين. Surrounded by lairs, 2024 الذي استخلص منه (بتصرف محدود) المادة التالية عن الشخص النرجسي.


في كتابه يعرض إركسون للقارئ الأساليب والتكتيكات التي يستخدمها النرجسي، للوقاية من أذاها وشرورها. ومن ذلك أنه يخفي أكاذيبه خلف طبقات سطحية، ولكن تبدو ساحرة لك، فتغريك لتصديقه. إنه يسحرك، ولكن هدفه هو الفتنة. ومع أن النرجسي في الحقيقة سطحي وليس لديه عمق أو مادة حقيقية، إلا أنه فعّال، فهو قادر على نزع سلاحك حتى وإن كنت تمتع بعبقرية الملاحظة والانتباه.
مثل هذا الشخص بحاجة إلى الحذر منه، فهو ليس ضحية كما يتظاهر، ولا يحتاج إلى أي شفقة عليه منك. إنه عبارة عن جسد شرير يستطيع أن يقول لك كذبة لا تخطر على البال. المشكلة مع النرجسي أنه يكذب لأنه يستطيع أن يكذب، أي أنه ليس بحاجة إلى سبب ليكذب. إنه يتلهى بالكذب ويستمتع به.
يعتقد النرجسي بأنه مهم جداً، وأن الناس بحاجة إليه، ولكنه في الحقيقة يشعر بحاجة ملحة إلى الإعجاب به، لأنه مقتنع بتفوقه على الآخرين، ولديه صورة خاصة عن نفسه بهذا، مما يجعله يبذل جهداً كبيراً لحماية هذه الصورة، بالكذب كثيراً عن أفعاله وإنجازاته ومشاعره ليبقى يبدو كشخص كفء ومتفوق يميل الناس إليه. بل إنه يبالغ في أفعاله وإنجازاته لاستدرار الإعجاب به
يتصف النرجسي بالكذب المتواتر، ويستخدمه لاستغفال (Manipulate) أو لاستغلال إدراكات الناس. إن نزعته لاستغلال أو استغفال الآخرين أحد أهم صفاته.
ولشدة مركزيته الذاتية فإنه غير قادر على المشاركة الوجدانية أي الشعور بالفعل بما يشعر به الآخرون. مركزيته الشديدة حول نفسه تجعله لا يقم اعتباراً لمشاعر الآخرين ولا إلى حاجاتهم. فهم النرجسي التفوق على الزملاء والاصدقاء والمنافسين وهزيمتهم كل في النشاط ذي العلاقة.
يسحرك النرجسي إذا جلس بجانبك بمعسول كلامه، ويجعلك تتعاطف معه في محنة يدعيها من مثل تآمر الناس الذين يخشون حضوره ومشاركاته عليه، لأنه يجعلهم صغاراً إذا تحدث أو كتب.
أما أبرز صفات النرجسي الأخرى، ولعلها أهمها فعدم شعوره بالندم جراء الإساءة أو الإساءات التي يتسبب بها للغير، أو الشعور بالذنب جراء الآثام التي يرتكبها ضدهم. إنه يسعد داخل نفسه بذلك. وإذا طلبت منه خدمة فإنه لا يؤديها مهما كانت بسيطة، إلا إذ حققت له هدفاً.
يستخدم النرجسي الاستغلال والاستغفال (Manipulate) للناس لتضليلهم والسيطرة عليهم في المواقف المختلفة التي يكون وإياهم فيها.
فيما يلي جردة سريعة بالأساليب والتكتيكات التي يستخدمها النرجسي لاستغلال الناس والتلاعب بهم لصالحه:
·التلاعب بالعقول: وهو تكتيك يجعل المرء يشك في صحة عقله أو ذاكرته إذا استلبسه.
· لعب دور الضحية: يقوم النرجسي أحياناً بدور الضحية ليكسب التعاطف من الناس. ويستخدم هذا الدور لاستغلال الناس والتلاعب بهم. من مثل المبالغة في المشكلات التي تسبب له فيها فلان أو الإدارة الفلانية، ويبالغ في تضخيمها متظاهراً بالأذى الذي أصابه أو الخسارة الكبيرة التي حصلت له نتيجة لذلك، أو بالادعاء بالمعاملة غير العادلة التي تعرض لها. كل هذه التصرفات محاولات لاستغلال الآخرين ليحصل على دعمهم أو لما يرغب فيه من مكاسب. تذكر أنه لا يشعر فعلاً بأنه ضحية، ولكنه تكتيك له فائدة كبيرة.
ومن ذلك أيضاً التظاهر بالحزن (لإبداء) المشاركة الوجدانية، أو (التظاهر) بالغضب أو بالانحياز لطرف ما في الصراع لكسب وده مع أنه منفصل عاطفياً عنه، ومركز كلياً على أهدافه الخاصة. إنه يخفي نوياه الحقيقية ليساعده الآخرون في تنفيذ أجندته.
·التظاهر بالمحبة: أي إظهار المحبة والاحترام والتمنيات الطيبة للآخرين وتقديم الهدايا– أحياناً– لهم لكسب الثقة والدعم. وغالباً ما يقع الناس ذوو المشاعر الضعيفة ضحايا لهذا التكتيك.
· التليث (Triangulation) وهو تكتيك يقوم على ضرب شخصين في بعضهما البعض ليقع بينهما صراع، ويتقدم للسيطرة على الموقف، من مثل نقل النرجسي كلاماً للآخر ضده لم يقله الأول، مع أن ذلك لم يحدث أبداًـ ولكنه يخلق هذا العداء ليستفيد منه.
· الصمت: ويعني تظاهر النرجسي أنه لا يعرف، أو حتى لم يفهم الموضوع حتى وإن كان بسيطاً جداً لتجنب المسؤولية عن شيء ما، أو لاستغلال آخرين ليقوموا بعمل شيء له. ومن السخرية بمكان أن هذه الطريقة فعالة جداً. تكتيك الصمت يجعل كثيراً من الناس يبدون أكثر ذكاءً مما هم بالفعل، فيعجبون بالنرجسي الذي يتلاعب بهم.
·المعاملة الصامتة: وتعني تجاهل شخص ما أو التصرف على نحو طارد له، لمعاقبته أو للسيطرة عليه. إنها طريقة ممارسة القوة بالامتناع عن الانتباه والمحبة للشخص.
· محتالون مرعبون: الكذب مفتاح إستراتيجي لاستغلال أو استغفال الناس. إنه الكذب المرضي أو النزعة الإجبارية الذاتية للكذب بدون سبب، أو هو السلوك المعياري عند الذين يعانون من الاضطرابات النرجسية ويشمل ذلك أفعالهم ومشاعرهم ونواياهم.
يبدو النرجسي الذي يجلس بجانبك في محاضرة ساحراً (Charming) في حديثه معك إنه يجعلك تشعر مثله وتعجب جداً به لأنه يتظاهر بالود والانتباه والتكريس والالتزام، فتنصت له، وتأخذ رقم هاتفه لتتصل به فيما بعد. وهو تكتيك خطر جداً يسهل عليه استغلالك واستغفالك نتيجة الثقة المطلقة به. ومع أنه يسحرك فإن تأثيره عليك كضحية يبدأ بالعمل.
· فذلكة الأكاذيب وكأنها حقائق: غالباً ما تبدو أكاذيب النرجسي وكأنها حقائق بفذلكته أو باتقانه لها، فتبدو مقنعة بصورة قوية جداً. النرجسي يستطيع فبركة أكاذيب معقدة يصعب إثبات كذبها وأكاذيب طرامب ونتنياهو نموذجان لذلك.
· وأخيراً اعلم أنه ليس للنرجسي صديق لأنه لا يثق بأحد ولا أحد يثق به.