حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5312

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: "إسرائيل الكبرى" .. مشروع استيطاني يخالف القانون

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: "إسرائيل الكبرى" .. مشروع استيطاني يخالف القانون

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: "إسرائيل الكبرى"  ..  مشروع استيطاني يخالف القانون

25-08-2025 09:25 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
يتسابق قادة الكيان الصهيوني في الترويج لأفكارهم الاستيطانية التوسعية القائمة على أساس إنشاء دولة "إسرائيل الكبرى"، والتي تُعد من أكثر التصورات الأيديولوجية إثارة للجدل واللغط في الفكر السياسي والقانوني المعاصر. فهي تقوم على أساطير توراتية وتفسيرات دينية تزعم بأن الحدود الطبيعية للدولة اليهودية تمتد من النيل إلى الفرات، مما يجعلها مشروعًا توسعيًا يتجاوز حدود فلسطين التاريخية، ويهدد سيادة عدد من الدول العربية المجاورة.
غير أن هذه الفكرة، إذا ما وُضعت على ميزان الدستور الإسرائيلي والقانون الدولي العام، تفتقر إلى أي سند شرعي، وتتحول إلى مجرد خطاب أيديولوجي يفتقد الأساس الدستوري والشرعية الدولية. فعلى الصعيد الدستوري، لا تملك إسرائيل دستورًا مكتوبًا بالمعنى التقليدي، بل تعتمد منظومة من "القوانين الأساسية" التي تحل محل الدستور بسموها الشكلي والموضوعي.
ومع ذلك، فإن هذه القوانين ذات الطبيعة الدستورية لم تحدد حدود "الدولة الإسرائيلية". فإعلان الاستقلال لعام 1948 تعمّد إغفال هذا التحديد، تاركًا الباب مفتوحًا أمام التأويلات السياسية. كما أن قانون الدولة القومية للشعب اليهودي الصادر عام 2018 لم يُشر إلى مفهوم "إسرائيل الكبرى"، بل تحدث بعمومية عن "أرض إسرائيل" في صياغة فضفاضة غير قابلة للتطبيق القانوني الدقيق.
وعليه، فإن الغموض الدستوري وغياب النصوص المحدِّدة للحدود يؤكدان أن فكرة "إسرائيل الكبرى" لا وجود لها في المنظومة الدستورية الإسرائيلية، ولا تتعدى كونها خطابًا أيديولوجيًا يُستخدم أداة للتعبئة والضغط، دون أن يحوز أي إلزام قانوني داخلي. ويعزز هذا الاستنتاج أن الفكر الدستوري الحديث يحدد ثلاثة أركان للدولة: الشعب، والإقليم، والسلطة السياسية ذات السيادة. أما "إسرائيل الكبرى" فتقوم على تصور توسعي غير محدد جغرافيًا يهدد سيادة دول مجاورة، ويستند إلى مبررات دينية لا مكان لها في القانون الدستوري الوضعي. لذلك، فإن إدماج هذا المفهوم في النظام الدستوري الإسرائيلي سيصطدم بتناقض جوهري مع مبادئ الدولة الحديثة.
كما أن فكرة "إسرائيل الكبرى" لم تكن وليدة اللحظة، بل ظهرت في أدبيات الحركة الصهيونية منذ أواخر القرن التاسع عشر، واستخدمت كشعار في مراحل مفصلية لتغذية حلم استيطاني يدفع الجماعات اليهودية للهجرة إلى فلسطين. غير أن هذا الطرح ظل أقرب إلى "خطاب تعبوي" منه إلى برنامج سياسي مكتمل، إذ لم تتمكّن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تبنّيه رسميًا في نصوصها الدستورية أو في اتفاقياتها الدولية.
أما على صعيد القانون الدولي، فإن فكرة "إسرائيل الكبرى" تتعارض مع العديد من القواعد الآمرة في النظام الدولي، وعلى رأسها مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة المنصوص عليه في المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة أراضي أي دولة. كما يصطدم هذا المشروع مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما أقرّته العهود الدولية لحقوق الإنسان وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو حق ثابت للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
كذلك، فإن الفكرة تتناقض مع قواعد القانون الإنساني الدولي، وبالأخص اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تحظر نقل السكان المدنيين إلى الأراضي المحتلة أو تهجير سكانها الأصليين، باعتبار ذلك جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن زاوية القانون الدولي التطبيقي، فإن مشروع "إسرائيل الكبرى" يستحيل تحقيقه على أرض الواقع؛ لأنه يعني عمليًا إعادة ترسيم الحدود الدولية بالقوة، وإلغاء الشخصية القانونية لدول قائمة ومعترف بها في الأمم المتحدة. مثل هذا الطرح لا يملك أي فرصة للقبول في النظام الدولي المعاصر، ويضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، بما يعرّضها لعزلة سياسية وقانونية متزايدة.
إن خطورة فكرة "إسرائيل الكبرى" تكمن في أنها تستند إلى أسس دينية لتبرير السيادة السياسية. غير أن القانون الحديث لا يعترف بالدين مصدرًا للسيادة أو للحدود الدولية، إذ تقوم الشرعية على الاتفاقيات الدولية والاعتراف المتبادل وحق الشعوب في تقرير مصيرها. ومن ثم، فإن الاستناد إلى نصوص توراتية لتسويغ مشروع توسعي يتناقض مع الفلسفة القانونية الوضعية، ويقود إلى منطق "الحق بالقوة" بدلًا من "قوة الحق".
إن "إسرائيل الكبرى" ليست سوى مشروع استعماري مغلف برداء ديني، يفتقد الأساس الدستوري داخليًا والشرعية الدولية خارجيًا. ومواجهته لا تكون بالمرافعة السياسية فقط، بل بتعزيز أدوات القانون الدولي، وتكثيف الجهد العربي والفلسطيني لتفعيل قرارات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وفضح زيف هذا الادعاء. فاستمرار التلويح بهذه الفكرة يضع النظام الدولي أمام تحديات خطيرة، إذ يفتح الباب أمام نزعات توسعية مشابهة في مناطق أخرى من العالم. والتغاضي عن هذا الطرح من شأنه أن يُضعف شرعية الأمم المتحدة، ويمنح قوى أخرى مبررًا لمحاولة إعادة رسم خرائط الإقليم بالقوة.
* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com











طباعة
  • المشاهدات: 5312
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-08-2025 09:25 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم