21-08-2025 09:02 PM
بقلم : الدكتور صدام سليمان المشاقبة
الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام أمس الأربعاء حول إلغاء تأشيرة الدخول بين الأردن وروسيا لم يكن خبراً عادياً، بل أثار موجة من التفاؤل في الشارع الأردني. فهذه الخطوة ليست مجرد تسهيل للإجراءات البيروقراطية، بل هي جسر جديد قد يفتح الباب واسعاً أمام حركة السياحة والتجارة والاستثمار بين الشعبين.
روسيا ليست بعيدة عن وجداننا في الشرق، كثير من الأردنيين يعرفونها عبر التاريخ والسياسة والأدب، لكن القليل فقط جرب السفر إليها والتعرف على ثقافتها الحديثة. وأنا، بحكم دراستي وإقامتي هناك لسنوات، أستطيع القول إن روسيا التي عرفناها عبر الصور النمطية القديمة ليست هي روسيا اليوم. فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً، تحوّلت البلاد إلى دولة ليبرالية حديثة، بقوانين مشجعة على الاستثمار، وانفتاح ثقافي واجتماعي، ومستويات أمان مرتفعة جداً قد تفوق ما نجده في كثير من العواصم الغربية.
روسيا اليوم قادرة أن تكون وجهة مثالية للسائح الأردني. المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبورغ تزخر بالتاريخ والفن والحداثة. موسكو بعظمتها كعاصمة سياسية واقتصادية تقدم مزيجاً من الأبراج الحديثة والأسواق الفاخرة والساحة الحمراء ذات الطابع التاريخي الفريد. أما سانت بطرسبورغ، فهي مدينة القيصر الفاخرة، بمسارحها ومتاحفها وجمالها العمراني الذي يضاهي كبريات العواصم الأوروبية.
لكن روسيا ليست فقط موسكو وسانت بطرسبورغ، فهنالك مدينة قازان، مثلاً، تحمل طابعاً خاصاً للمسافر الأردني والعربي؛ فهي مدينة ذات أغلبية مسلمة، تنتشر فيها المساجد الفخمة، ويُقدَّم فيها الطعام الحلال في كل مكان، ويعبرها نهر الفولغا العظيم. سوف تبهر كل من يزورها بمدى نظيفة شوارعها وحدائقها، وهي نابضة بالحياة الروحانية والثقافية في آن واحد، وقد اطلع عليها الدبلوماسيون الروس لقب عاصمة الإسلام الشمالية (فهي أقصى مدينة ذات أغلبية مسلمة في شمال الكرة الأرضية)، وهناك أيضاً سوتشي، عروس البحر الأسود، التي تجمع بين شمس الصيف وثلوج الشتاء، وتوفر للسائح خيارات لا متناهية بين البحر والجبل.
وفي المقابل، يشكل هذا القرار فرصة ذهبية للأردن ليطرح نفسه بقوة على خريطة السياحة الروسية. فالأردن يمتلك ما يبحث عنه السائح الروسي: التاريخ العريق، الآثار العربية والرومانية واليونانية، البحر الميت كوجهة علاجية عالمية، فضلاً عن المواقع المقدسة التي تحتل مكانة خاصة في وجدان المسيحيين الروس الأرثوذكس، مثل المغطس ونهر الأردن.
السائح الروسي معتاد على زيارة تركيا ومصر والإمارات، لكن الأردن يقدم له تجربة فريدة تجمع بين الروحانية والتاريخ والطبيعة العلاجية، وهذا ما يجعل منه سوقاً جديداً واعداً للسياحة الروسية.
التبادل السياحي لن يكون المكسب الوحيد. قرار إلغاء الفيزا يفتح الباب أمام فرص استثمارية واسعة في كلا الاتجاهين، ويعزز العلاقات الثقافية والإنسانية بين الشعبين. فروسيا ليست دولة غربية بعيدة عن ثقافتنا، بل هي دولة شرقية في جذورها، وهذا ما يجعل التواصل معها أكثر سلاسة وقرباً.
لقد آن الأوان أن ننظر إلى روسيا ليس فقط كقوة سياسية واقتصادية، بل كوجهة شرقية ليبرالية صديقة، تتقاطع مصالحها وثقافتها مع مصالحنا وثقافتنا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-08-2025 09:02 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |