21-08-2025 12:15 PM
بقلم : بهاء الدين المعايطة
في ليالي أغسطس، في ليالٍ كانت الأصعب منذ أن وُلدتُ على هذه الدنيا، ليالٍ سلبت منّا معنى الحياة، وجعلت منّا كُتلاً صامتة تواجه الألم دون حديث. ليالٍ صنعت منّا أشخاصًا لا ندرك شيئًا سوى الأرق الذي يرافقنا في آخر دقائق الليل، لنصبح ضحية يومٍ جديد يذكّرنا بما فعله بنا الأمس، ويعيد إلى قلوبنا تلك المواجع التي أرهقت أعمارنا، وجعلت منّا خريفًا قبل أوانه.
كم يُرهقني الليل، وكم يُرهقني الواقع الذي لم يَعُد يعرف طريقنا. حظوظنا أصبحت كزائرٍ لم يأتِ، كطفل شاءت الأقدار أن يموت قبل أن يولد. الأمل أصبح معدومًا، والمستقبل غامضًا، وحياتنا غدت مرسومة على قدر التعب. لماذا علينا أن نسميها حياة وهي في الأصل لم تكن حياة؟ لقد أصبح الظلم الطريق الذي يسلكه الكثير، وأضحى العدل وسيلة لا نسمع بها إلا في القصص أو الكتب. العدل فارق هذه الأرض، والظلم أصبح بطل هذه الرواية.
في اليوم الذي نطمح فيه أن نرسم طريقنا، يأتي من يحاول أن يُدنِّس هذا الطريق، ويأتي من يريد أن يجعل منّا أداة تُستهلك لتنفيذ مصالحه على حساب حقوق الغير. الظلم طريق طويل، طريقٌ يَدوس القلوب بالوجع. أتذكّر دومًا أن الكلام لم يكن إلا وسيلة لقول الحق، إلا أنّه في وقتنا الحالي أصبح وسيلة لقول الباطل. أصبحنا في زمنٍ لا نستطيع فيه أن نتحدّث بالحق، لأن الحق بات في نظر الجميع جريمة. وحتى الصمت لم يَعُد وسيلةً نافعة للنصر، بل أداةً للاستغلال.
لم تَعُد الحياة تستحق أن تُسمّى حياة، فقد أصبحتُ اليوم أُحارب لأجل لا شيء، وأخوض معارك لم أنل منها حتى القليل. أحلامي ذهبت مع مرض والدي، ولم أعد أبحث عن شيء في هذه الدنيا سوى أن أنال عدل الله، الذي ندعوه في كل صلاة، علّه يستجيب لنا.
أنا اليوم أكتب من واقعٍ مؤلم، من واقعٍ مرَّ عليه تسعةٌ وعشرون عامًا من الصعاب، ونحن ما زلنا ننتظر أن نكون سعداء كما حلمنا منذ الطفولة. أحلامٌ بريئة لم نكن نعلم ماذا تعني، حتى كبرنا وأدركنا أنها لم تكن سوى أحلامٍ ترافقنا ليلًا على أمل أن نجدها صباحًا.
ليتنا لم نكبر على ذلك الوهم، وليتنا لم نحلم في تلك الطفولة. كانت دروسًا صعبة لم نفهم معناها، وما زلنا نبحث عن إجابات لذلك الامتحان الذي لم يكن من ذلك المنهاج، لنظل عاجزين أمام أنفسنا، معلّقين بين أحلام الطفولة وعجز الكِبر.
كم تمنيتُ ألّا أكون أمام هذا الاختبار الصعب، وكم تمنيتُ أن ننال أحلامنا دون أن نلجأ إلى الكتابة. إلا أننا، للأسف، أصبحنا الحلقة الأضعف في هذه الحياة؛ حقوقٌ تضيع في ظلام الليل، وأمانٍ غدت معجزة على هذه الأرض. من كان أقوى نال ما أراد، ومن كان أضعف التهمته أيدي الظلم، ليبقى حبيس رفوف النسيان.
ورغم كل هذا الألم الذي يثقل أرواحنا، ما زلنا نتمسّك بخيط رفيع من الرجاء، لعلَّ العدل الغائب يعود، ولعلَّ الله يُبدّل هذا الليل فجرًا ننتظره منذ سنين. فما الحياة إلا امتحان، وما الصبر إلا الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى ما وعد الله به عباده المظلومين.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-08-2025 12:15 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |