19-08-2025 10:43 AM
بقلم : محمد علي الزعبي
عذرًا دولة الرئيس، فالتعديل الوزاري بات أمرًا طبيعيًا في حياتنا السياسية، يتكرر بين الحين والآخر حتى ألفه الناس ولم يعد يثير دهشتهم. تتبدل الوجوه وتتغير الحقائب، لكن الأداء كثيرًا ما يبقى كما هو، والنتائج كما اعتدنا: وعود تتجدد، وواقع يراوح مكانه.
الحقيقة أن التعديل، مهما كان ضروريًا، لا يكفي وحده لإصلاح الخلل العميق. فالأزمة ليست فقط في الوزير الذي يعتلي الكرسي، بل في أروقة الوزارات والمؤسَّسات حيث يعيش الترهل الإداري ويتجذر الروتين، وتُدار أمور الناس بعقلية الأمس. هناك، في قلب الجهاز الإداري، يكمن التحدي الأكبر.
دولة الرئيس، إذا أردتم أن تُنعشوا الآمال وتعيدوا ثقة المواطن بالدولة، فإن الطريق يبدأ بقرارات جريئة تقتحم عمق الوزارات، بزيارات مفاجئة لا تُدار بالكاميرات، بل تكشف الواقع كما هو: موظفون غائبون عن روح المسؤولية، معاملات مكدسة، وجهاز إداري بحاجة إلى صدمة توقظه من سباته الطويل.
الإصلاح الإداري لا يتحقق بالشعارات ولا بالمجاملات، بل بإعادة فرز القيادات في المؤسَّسات، ووضع الكفاءة فوق الواسطة، والعمل فوق العلاقات. إن بقاء إدارات مترهلة في مواقعها يعني أن أي تعديل وزاري سيظل ناقصًا، وأن أي خطة تحديث ستظل حبراً على ورق.
المطلوب اليوم هو إعادة ترتيب البيت الداخلي للمؤسسات الحكومية، وتغيير النهج من الداخل، حتى يشعر المواطن أن الدولة تتحرك فعلًا لإصلاح ذاتها لا لتغيير بعض الوجوه فقط. الإصلاح يبدأ حين يدرك الموظف العام أن لا حصانة أمام التقصير، ولا مكان لمن لا ينجز، وأن المسؤولية تكليف لا تشريف.
وهنا تأتي رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني كمنارة واضحة، في خلق بيئة تمكينية للشباب والكفاءات، وقادرة على السير بخطى التحديث والإصلاح، بحيث يكون كل موظف وقائد إداري مشاركًا فاعلًا في عملية التطوير، وملتزمًا بمعايير الأداء والابتكار، ومستشعرًا لمسؤولياته تجاه الوطن والمواطن. هذه الرؤية لا تترك مجالًا للروتين ولا للجمود، بل تجعل من كل مؤسسة حاضنة للإنجاز ومجالًا للتجديد.
دولة الرئيس، إن الرهان عليكم كبير، والأمل أن لا يقتصر الإصلاح على تبديل المقاعد، بل أن يمتد إلى اجتثاث الترهل الإداري من جذوره، وإعادة الروح إلى الوزارات والمؤسَّسات، فالأردن لا يحتمل ترف الوقت، ولا مزيدًا من الدوران في الحلقة ذاتها. الإصلاح الحقيقي يحتاج قرارًا شجاعًا وإرادة لا تلين، وهذا ما ينتظره الوطن منكم.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-08-2025 10:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |