حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,21 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7810

د.عاصم منصور يكتب: مسؤول ميداني

د.عاصم منصور يكتب: مسؤول ميداني

د.عاصم منصور يكتب: مسؤول ميداني

19-08-2025 09:19 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د.عاصم منصور
من منا لا يتذكر المسلسل السوري الشهير "يوميات مدير عام" الذي أبدع فيه أيمن زيدان بدور المدير المتنكر لمحاربة الفساد في مؤسسته -يقال أن المسلسل كان يحمل اسم "يوميات وزير"- قبل أن تتدخل الرقابة وتغيره حفاظا على رمزية المنصب. هذا العمل الكوميدي، رسخ في أذهاننا صورةَ المسؤول الذي ينزل إلى الميدان بنفسه، وهي فكرة تستهوينا كمتابعين؛ خاصة أنها تتماشى مع القصص التي نشأنا عليها عن الخلفاء الذين كانوا يجوبون الطرقات ليلا لتحسس أحوال الرعية.


لكن؛ هل يمكن اختزال دور القائد في الزيارات الميدانية؟ لقد أخبرني أحد الوزراء ذات مرةٍ أنه كان يضلل طاقمَه بشأن وجهة زيارته، لضمان عنصر المفاجأة وتجنب استعداد المؤسسة المعنية، وهذه القصص رغم جاذبيتها، تثير تساؤلاتٍ حول جدوى هذا النهج ومدى تأثيره في إحداث التغيير المنشود. فهل يكفي أن ينزلَ المسؤول إلى الميدان ليعتبرَ ناجحا، أم أن هناك أدوارا أكبرَ وأعمق يجب أن يضطلع بها؟

فالقائد الحقيقي ليس مفتشا ميدانيا، ولا متسوقا خفيا؛ بل صاحب رؤية، يتجاوز دوره التفاصيل اليومية إلى وضع السياسات العامة، التخطيط بعيد المدى، وإدارة الموارد بكفاءة والتنسيق بين الجهات لتحقيق التكامل. وهذه المهام تتطلب رؤية شاملة قد تتأثر سلبا إذا ما انشغل بالتفاصيل الميدانية، فالقيادة الحقيقية لا تقاس بعدد الزيارات؛ بل بقدرة المسؤول على إحداث تغيير مستدام وتحقيق الأهداف الكبرى. فالذي ينشغل بالزيارات اليومية قد يجد نفسه غارقا في التفاصيل؛ بينما تتراكم القضايا الاستراتيجية التي تحتاج إلى قرارات حاسمة.
لا شك أن للزيارات الميدانية دورا في تعزيز التواصل وفهم التحديات؛ لكنها يجب أن تكون أداة ضمن أدوات أخرى وليست محور العمل، فالاعتماد المفرط عليها قد يؤدي إلى إهمال التخطيط الاستراتيجي، وإضعاف دور الإدارات التنفيذية، وإهدار الوقت والجهد في مهام يمكن متابعتها عبر التقارير أو الأدوات الرقمية الحديثة.
في عصر الإنترنت والبيانات الكبرى، لم تعد الزيارات الميدانية ضرورة كما كانت في الماضي، بل أصبحت في كثير من الأحيان وسيلةَ للظهور الإعلامي أو الهروب من القضايا الصَعبة نحو حلول سطحية وغير مكلفة. فالمسؤول الذي يركز على الظهور الميداني قد ينجح في كسب إعجاب الجمهور مؤقتا؛ لكنه يخاطر بفقدان البوصلة الاستراتيجية التي تضمن استدامة النجاح.
الرغبة في إظهار الحضور قد تدفع بعض المسؤولين إلى التركيز على الزيارات الميدانية؛ لكن هذا النهج يعكس أحيانا غياب الرؤية الإستراتيجية. فالقائد الحقيقي هو من يوازن بين التخطيط والتنفيذ، بين الرؤية والتفاصيل، وبين الحضور الميداني والقيادة من الأعلى. كما أن هذه الزيارات يجب أن تكون مدروسة ومحدودة، وتهدف إلى حل مشكلات محددة أو دعم مشاريع إستراتيجية دون أن تتحول إلى استعراض إعلامي. كما أن المسؤول الناجح هو من يضع ثقته في الإدارات التنفيذية، ويمنحها الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها، بدلا من أن يحل محلها في كل صغيرة وكبيرة.
القائد الناجح هو من يقود دفة التغيير ويوجه البوصلة نحو تحقيق الأهداف الكبرى، ويستثمر وقته في التخطيط والتنمية المستدامة؛ فالقيادة ليست في النزول إلى الميدان فقط؛ بل في القدرة على رؤية الصورة الكاملة، ووضع السياسات التي تضمن استمرارية النجاح.











طباعة
  • المشاهدات: 7810
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-08-2025 09:19 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم