18-08-2025 09:49 AM
بقلم : نادية سعدالدين
ليس مستغرباً أن تصدر عن متطرف «كنتنياهو» مواقف فظة تعكس أوهام سرديته الصهيونية الزائفة بوصفه «المسيح المُخلص» تاريخيا وروحانيا لأقرانه المستوطنين، ولكنها لا شك تُعبر عن المشروع الصهيوني التوسعي الذي يستمد طلاسيمه من نصوص توراتية وتلمودية عنصرية ترسم للساسة الصهاينة طريق الاستعمار والهيمنة والسطو على الأراضي العربية المجاورة.
هذا التصعيد الاستفزازي الخطير من «نتنياهو»، عند التشدق برؤيته «لإسرائيل الكبرى» التي تشمل بزعمه فلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر، يهدف إلى إشاعة المزيد من الفوضى لدفع البيئة الإقليمية المضطربة نحو كارثة حتمية، في محاولة منه لتصدير أزماته الداخلية الثقيلة على حساب تهديد سيادة الدول والمساس بأمن وسلم الإقليم وخرق القانون الدولي، نظير ما يعتقد أنها فرصة سانحة لتنفيذ أسطورته المزعومة في ظل الدعم الأميركي المُطلق.
ولكن «نتنياهو» يُفصح أيضاً عن نزعة عدوانية متطرفة تجاه الأردن، الذي يقف بصلابة وثبات في وجه مخطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم المحتلة، ويتصدى لانتهاكات الاحتلال ومستوطنيه ضد القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، ويحمل قضية الشعب الفلسطيني العادلة عبر المحافل والمنابر الدولية، بما يثير غضب التيار اليميني الصهيوني المتشدد الذي يسعى لإخفاء وجهه القبيح بترويج مزاعم «الوطن البديل» و»المحور المكمل» لرؤية «إسرائيل الكبرى»، المزعومة.
ولهذه الأسطورة الزائفة تأصيلها الديني عند الساسة الصهاينة؛ فهذا البعد يتجلى في نطاقها الجغرافي الذي يحضر بكثافة في النصوص التوراتية والتلمودية عند المطالبة «بأرض كنعان» والأرض الممتدة من «البحر حتى نهر الأردن»، إلى حد الشطط عند المتدينيين المتشددين للمطالبة «بالحدود التوراتية» الممتدة من «النيل إلى الفرات». ووفقا للمعتقد الصهيوني فإن «الوطن القومي لن يكون لجميع اليهود ما لم تُفتح أبوابه لاستيعابهم»، مما يستدعي بحسبه «أرضاً واسعة قابلة للنمو تمتد على جانبي ضفتي الأردن»، وهو ما يُفسر غياب تحديد الحيز الجغرافي لنطاق الكيان الصهيوني وبالتالي لحدوده، باعتباره تقييدا لحركته وتطلعاته، فظلت الحدود مرنة قابلة للتوسع، أسوة بحال الدولة التي تعتبر أن الإقليم لا يشكل الدولة وإنما الوعاء الذي تمارس عليه الدولة سلطـاتها.
ويُفسر ذلك التوجه التوسعي، أيضاً، ذرائع معارضة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة التي تراوحت بين حجة الأمن والحاجة لعمق جغرافي، وبين الدوافع الاستعمارية المقرونة بمزاعم دينية تجد في الحفاظ على «الأرض» «وفاءً مُعاصراً لوعد إلهي للشعب اليهودي» بإعطائه ملكية تامة على «أرض إسرائيل الكبرى»، بما يعكس النزعة الصهيونية التوسعية في فلسطين المحتلة والمنطقة.
وتزداد خطورة هذا التوجه في تزامن تصريحات «نتنياهو» مع مخطط يسعى الاحتلال لتنفيذه، مُستغلاً المشهد الإقليمي المضطرب والدعم الأميركي وحالة السيولة السياسية وضعف الدولة المركزية في سورية، لتمرير مشروع ما يسمى «ممر داود» الذي يشمل في نطاقه سورية والأردن والعراق، أو هكذا يتخيل الساسة الصهاينة.
فوفق الرؤية الصهيونية التوراتية؛ يسعى الاحتلال لإنشاء ممر جيوسياسي يمتد من شمال فلسطين المحتلة عبر الجولان السوري المُحتل ومحافظتي درعا والسويداء جنوباً نحو مناطق سيطرة «قسد» عبر منطقة التنف (نقطة التقاء الحدود السورية مع الأردن والعراق) وصولاً إلى شرق الفرات على الحدود التركية – العراقية، توطئة لدخول كردستان العراق من جغرافية الأنبار العراقية. ويحقق المخطط للاحتلال، بعد إيجاد كيانات درزية وكردية موالية له في الساحة السورية، أهدافاً مزدوجة؛ ممثلة في التغلغل الجغرافي والعسكري داخل العمق السوري، والسيطرة على أراضٍ عربية كجزء من مشروعه التوسعي الإقليمي، أو تحويل الممر كأداة هيمنة، وإضعاف النفوذ الإيراني بالسيطرة على الحدود الشرقية السورية العراقية، والاقتراب من حدود تركيا الجنوبية وتقليص نفوذها كدولة منافسة للمصالح الإسرائيلية في المنطقة، عدا الاستيلاء على ثروات شرق الفرات الطبيعية.
إلا أن هذا المشروع الصهيوني التوسعي يصطدم بالموقف الأردني الرافض لأي تهديد يمس أمنه القومي وأمن واستقرار المنطقة، وبرفض شعبي سوري ومعارضة وطنية عروبية عريضة داخل الطائفة الدرزية ومناهضة تركية، وموقف أميركي يميل نحو استقرار سوريا الجديدة بعيداً عن المشاريع الانفصالية، خشية تعزيز قوة التنظيمات الإرهابية المسلحة وتمكين النفوذ الإيراني والروسي.
لم يتوقف المشروع الصهيوني التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة منذ ما قبل عام 1948؛ ولن يستكين، طالما يمد الكيان المُحتل بمقومات الحياة. ولكن هذا المسار ليس حتمياً بالضرورة؛ في ظل استمرار المقاومة الفلسطينية، وتعزيز حالة اليقظة العربية وترسيخ الوعي الجمعي بخطورة نزعة «نتنياهو» المتطرفة التي لا تؤمن بالسلام قط.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-08-2025 09:49 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |