06-08-2025 08:40 AM
بقلم : الدكتور علي فواز العدوان
تُعد الحرب الهمجية المستمرة التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة واحدة من أكثر المحطات دموية في تاريخ الصراع ليس فقط بفعل المجازر والتجويع الممنهج ضد المدنيين بل لما تخلقه من ارتدادات إقليمية تهدد استقرار المجتمعات المجاورة وعلى رأسها الأردن.
ففي ظل هذا المشهد الدموي بدت بعض التصريحات السياسية والإعلامية في الداخل الأردني كأنها تحاول عمدًا تشتيت الأنظار عن حقيقة ما يجري من مذابح ومآسٍ في القطاع لتحويل البوصلة نحو خلافات داخلية
أو لإثارة حساسيات أيديولوجية بين القوى الوطنية والإسلامية، في مشهد لا يمكن فصله عن سياق شعبوي يختزل النضال الفلسطيني في خلافات عابرة.
لقد شهدت الساحة الأردنية خلال الأشهر الماضية محاولات لتعميق الانقسامات الإقليمية والفكرية، مستهدفة الحركات الإسلامية تحديدًا، في وقتٍ يفترض أن تتوحد فيه الصفوف خلف موقف وطني جامع يناهض الاحتلال ويُدين جرائمه. إن تسليط الضوء على خطاب المقاومة وكأنه أصل الأزمة بدلًا من التركيز على الاحتلال ذاته، لا يخدم سوى أجندات تسعى لتأبيد الواقع القائم، وإعفاء المحتل من مسؤولياته أمام المجتمع الدولي.
تتزامن هذه التحركات مع مؤشرات مقلقة على عودة خطاب "الأمننة"، وتحويل الدولة إلى أدوات رقابية متشددة، تُرجع البلاد إلى مربع "نظرية الحزب الواحد" بعيدًا عن مشروع التحديث السياسي الذي أعلنته القيادة الأردنية في السنوات الأخيرة، والذي يقوم على تعزيز الملكية الدستورية والانفتاح على جميع مكونات المجتمع، لا سيّما قوى المعارضة التي كانت دائمًا جزءًا من النسيج الوطني.
والسؤال هنا: هل بات الاحتلال الصهيوني يراهن على استنزاف الداخل العربي من خلال أدوات غير مباشرة؟ وهل تساعد بعض الجهات الداخلية، بقصد أو دون قصد، في هذا المسار عبر اختلاق معارك جانبية وتغذية الصراع الهوياتي داخل الدولة الواحدة؟
من الواضح أن هناك من يريد تحويل فشل العدو في ردع المقاومة، أو فشل فصائل المقاومة في إيقاف المجازر، إلى مشجب يُعلق عليه فشل السياسات المحلية أو تأزيماتها. وهنا تقع المسؤولية الكبرى على النخب السياسية والإعلامية الأردنية، وكذلك على القوى الوطنية والإسلامية، في رفض هذا الانزلاق الخطير، وتجديد التوافق الوطني حول مركزية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وكرامة.
إن مناهضة الاحتلال لا تقتصر على الشعار بل تتطلب حالة وعي سياسية تُدرك أن العدو يحاول دائمًا اللعب على التناقضات الداخلية وإن مقاومته تبدأ بتثبيت الجبهة الوطنية الداخلية، لا بقمعها أو إقصائها.
الحرب على غزة ليست فقط مواجهة عسكرية، بل هي اختبار إقليمي للوعي ولمدى قدرة المجتمعات على قراءة المعركة بعيون الحقيقة لا من خلال عدسات مشوشة. الأردن مطالب اليوم بالحفاظ على تماسكه الداخلي وعلى خطابه المبدئي المناهض للاحتلال، لا السماح بانحراف هذا الخطاب لصالح نظريات الانقسام والإقصاء وتراجع الحريات.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-08-2025 08:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |