05-08-2025 09:13 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
بين اللقاء المؤجل والاتفاق المعلّق، وبين تطلّع الأكراد إلى شراكة حقيقية، وصمت دمشق الثقيل، تمضي القضية الكردية في سوريا في ممرّ ضيق يزداد انغلاقًا. في الخامس والعشرين من تموز، كان من المفترض أن يُعقد لقاء سياسي في باريس بين ممثلين عن الإدارة الذاتية الكردية والنظام السوري، برعاية فرنسية ومراقبة روسية غير معلنة. لكن اللقاء تعثّر، لا بفعل مقاطعة صريحة، بل لأن الهوّة السياسية بين الطرفين اتسعت أكثر من أن تُردم بكلام دبلوماسي.
النظام السوري، ورغم أنه الطرف الأقوى من حيث الشرعية الدولية، لا يزال يتعامل مع الملف الكردي من زاوية أمنية محضة، معتبرًا الإدارة الذاتية مشروعًا فرضته الظروف، وآن أوان طيّه. لكن الأكراد، الذين راكموا تجربة حكم محلي طوال أكثر من عقد، لا يفاوضون اليوم على الحكم أو الانفصال، بل على الحد الأدنى من الأمان والكرامة السياسية.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، عبّر عن هذه المعادلة بوضوح حين قال في مقابلة حديثة: "نحن لا نطلب دولة، بل نريد أن نكون جزءًا من دولة تحترم صوتنا، لا تبتلعنا." هذه العبارة تختصر المأزق. فالأكراد مستعدّون للعودة إلى الدولة، لكنهم لا يريدون أن يكونوا مجرد مقاطعة صامتة تحت هيمنة أجهزة الأمن القديمة.
في المقابل، لا تُظهر دمشق حتى الآن أي نية لتقديم ضمانات دستورية أو سياسية تضمن حقوق الكرد كمكوّن وازن في النسيج السوري. الخطاب الرسمي لا يزال يركّز على السيادة ووحدة الدولة، دون التطرّق إلى تفاصيل الحكم المحلي أو تمثيل الأكراد في مؤسسات الدولة الجديدة، إن وُجدت.
تعقيد الملف لا يقتصر على الرؤية السياسية. فالمشهد الميداني مرشّح للاشتعال في أي لحظة. ثلاث قوى مسلّحة تتداخل في الجغرافيا السورية: الجيش السوري، وقسد، ومجموعات درزية في الجنوب تحمل مطالب قريبة. هذا التداخل، في ظل غياب اتفاق شامل، يعني أن أي احتكاك قد يتحول إلى صدام، وأن كلّ تأخير في الحسم السياسي قد يُترجم إلى فوضى أمنية جديدة.
التجربة في السويداء حاضرة بقوة في ذهن الشارع الكردي. حينها، وُعدت الفصائل المحلية بالدعم والاعتراف، لكنها تفككت لاحقًا بعد تهميشها، فعاد النفوذ المركزي دون شراكة حقيقية. الأكراد يخشون أن يتكرر السيناريو معهم، ولذلك يتمسكون الآن بضمانات واضحة قبل أي خطوة.
الولايات المتحدة تنسحب تدريجيًا، وتركيا تلوّح دائمًا بالتدخل، والنظام في دمشق يناور أكثر مما يفاوض. وفي هذا المشهد، يجد الأكراد أنفسهم في موقف بالغ الحساسية: لا يريدون الانفصال، ولا يقبلون العودة إلى ما قبل 2011، وفي الوقت ذاته لا يملكون حلفاء يمكنهم الاتكاء عليهم حتى النهاية.
إن فشل اتفاق باريس لم يكن نتيجة خلل تنظيمي، بل لأنه كشف عمق التباعد بين من يريد دولة تُدار بالعقل، ومن لا يزال يراها تُدار بالأوامر. وبين من يبحث عن شراكة تحفظ الكرامة، ومن لا يرى إلا عودةً صامتة إلى حضن السلطة.
في الخلاصة، الأكراد لا يفاوضون على الحكم، بل على الأمان. لكن الدولة التي لا تسمع إلا صوتها، لا تصغي حتى عندما يرفع الآخرون رايات بيضاء.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-08-2025 09:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |