حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,4 أغسطس, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7308

الخطيب يكتب: الأردن .. بين الثبات الوطني وضغط الواقع الإقليمي والدولي

الخطيب يكتب: الأردن .. بين الثبات الوطني وضغط الواقع الإقليمي والدولي

الخطيب يكتب: الأردن ..  بين الثبات الوطني وضغط الواقع الإقليمي والدولي

04-08-2025 11:43 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : العقيد المتقاعد محمد الخطيب

لسان حال البعض: على الأردن أن يخوض الحرب وحده!


في خضمّ العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، والمدعوم علنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومن معظم دول الغرب، يتكرر نمطٌ إعلامي وخطابي مألوف: تحميل الأردن وحده مسؤولية المواجهة، وكأن عليه أن يخوض – منفردا – معركة الأمة، في وجه كيان مدجج بالسلاح والدعم السياسي والعسكري والمالي والإعلامي... وكأننا أمام دولة عظمى، لا دولة بحجم الأردن الجغرافي والاقتصادي، لكنها بثباتها السياسي والأخلاقي أكبر بكثير من حدودها.


هذا الطرح يتكرر في كل محطة مفصلية، لا سيما حين يتخذ الأردن مواقف واضحة تخدم قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فكلما اشتد الضغط الإقليمي أو الدولي، أو عبّر الأردن عن موقفه الثابت الرافض لأي حلول على حساب الشعب الفلسطيني، تتكثف حملات التحريض والتشكيك، ويُعاد تدوير خطاب إعلامي مسموم يُحمّل الأردن ما لا يحتمل، ويُصوّره كأنه يقف وحده في وجه مشروع استعماري ممنهج، امتد لعقود، وتورّطت فيه قوى دولية كبرى، وتواطأت معه أطراف مؤثرة عبر الصمت والتطبيع او المساومة.


لكن هذا الاستهداف ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من محاولات مستمرة لضرب استقرار الأردن الداخلي، والتشكيك بمؤسساته، وتفكيك حالة الإجماع الشعبي حول ثوابت السياسة الخارجية الأردنية، وفي مقدمتها رفض التهجير، ومبدأ أن لا حلّ على حساب الأردن ولا على حساب الحقوق الفلسطينية الثابتة.


هل يُعقل – من منظور استراتيجي وعسكري واقعي – أن يُطلب من الأردن، الدولة محدودة الموارد، أن يدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع "دولة الكيان"، وهي التي تتلقى دعما استراتيجيا غير مشروط من واشنطن، وتحظى بغطاء سياسي ودبلوماسي غربي كامل، في وقتٍ تُمسك فيه بعض الدول العربية والإسلامية عن الفعل، أو تكتفي بالتصريحات، أو حتى تمضي في التطبيع بلا خجل؟


إن هذا الطرح ليس فقط مجانبا للمنطق السياسي، بل يحمل قدرا من اللامسؤولية، وكأنه يدفع الأردن إلى التصرف خارج قدراته الظرفية، وخارج السياق الإقليمي الذي تتشابك فيه الحسابات والتحالفات والمخاطر.


الأردن، دولةً ومؤسسات، كان ولا يزال واضحا في موقفه. لا للوطن البديل. لا للتهجير. لا لتصفية القضية الفلسطينية.
لقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من موقف أن أمن الأردن مرتبط مباشرة بعدالة القضية الفلسطينية، وأن "لا سلام دون دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية". هذا ليس خطابا تجميليا، بل موقف ترجمه الأردن عبر رفض مشاريع التوطين، ورفض الضغط الاقتصادي والسياسي، وتثبيت مواقفه في المحافل الدولية، رغم الكلفة والضغوط.


لكن من منطلق الحكمة السياسية والمصلحة الوطنية العليا، لا يمكن للأردن أن يتحرك عسكريا بشكل فردي في ساحة معقدة ومفتوحة مثل فلسطين المحتلة، بينما لا يوجد غطاء عربي موحد، ولا إجماع إسلامي، ولا حتى موقف أممي حاسم في وجه انتهاكات الكيان.


المعركة مع المشروع الصهيوني تتجاوز فكرة "ردّ الفعل" العسكري، وهي ليست مغامرة ظرفية، بل صراع طويل الأمد يحتاج إلى جبهة سياسية وعسكرية وإعلامية موحدة.


الأردن، بحكم موقعه الجيوسياسي وحدوده الطويلة مع فلسطين المحتلة، يدرك حجم التحدي وخطورة أي قرار منفرد، لكنه في ذات الوقت، لا يغفل عن واجبه القومي، ويواصل تقديم الدعم الإنساني والطبي والإغاثي، ويحتضن الفلسطينيين دون أن يتاجر بهم، ويرفض المساس بهوية الأرض أو تفريغها من سكانها.


وفي الوقت الذي يسارع فيه البعض للتطبيع وتقديم أوراق الولاء السياسي للعدو، يصرّ الأردن على أن البوصلة لا تنحرف، وأن الثوابت لا تُباع.


من يُزايد على الأردن، فليلتفت أولا إلى من يصمت، ومن يطبّع، ومن يُموّل. ومن يريد من الأردن أن يقاتل وحده، فليبدأ ببناء موقف عربي موحّد، لا أن يجعل من الأردن "كبش فداء" أو "واجهة رمزية" ليرتاح ضميره.


الأردن قوي بثباته لا بانفعاله، قوي بحكمة قيادته، لا بصخب الإعلام، قوي بجيشه الذي يعرف متى وكيف وأين يتحرك، لا بتحريض من لا يدفع ثمنا.


المعركة مع الكيان الصهيوني معركة أمة، وليست مهمة دولة واحدة.








طباعة
  • المشاهدات: 7308
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-08-2025 11:43 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الأشغال العامة والإسكان بقيادة ماهر أبو السمن؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم