31-07-2025 08:26 AM
بقلم : زياد فرحان المجالي
في لحظةٍ فارقة من التاريخ، تقف الأمّة العربية اليوم أمام مرآة مشروخة، ترى فيها ملامح مجدٍ قديم يتلاشى، وصورة حاضرٍ مرتبك، ومستقبل معلّق بين التحالفات المتبدّلة والخوف من المجهول. لا يمكن النظر إلى ما وصلت إليه الشعوب العربية دون استحضار عمق الجراح، ولا يمكن فصل حاضر الأمة عن ماضيها القريب، ولا عن خيباتها المتكررة.
بين زمن عبدالناصر واليوم
قبل سبعة عقود، كانت العروبة مشروعًا نضاليًا عابرًا للحدود. من القاهرة إلى بغداد، من الجزائر إلى دمشق، كان الحلم العربي ينبض في الشوارع، والمظاهرات تُشعل من أجل فلسطين، والوحدة، والتحرّر من الاستعمار. أما اليوم، فقد تحوّلت معظم العواصم العربية إلى كيانات منفصلة، وأحيانًا متخاصمة، يحكمها الخوف من "الربيع"، ويسيّر قراراتها "القلق من الشارع".
لم تعد جامعة الدول العربية أكثر من مقرّ شاحب، ينعقد فيه الصمت أكثر مما تُتلى فيه القرارات. باتت "الجامعة" شاهدة على انقسام الأمة لا وحدتها، وعلى صفقات التطبيع لا إجماع المقاومة.
الأمّ العربية… أيقونة الصبر والخذلان
إذا أردنا اختصار حال الأمة اليوم في وجهٍ واحد، فهو وجه "الأم العربية". تلك التي تفترش الأرض بجانب خيمة في غزة أو رفح أو جنين، أو تركض خلف المساعدات في مخيم الزعتري، أو تنتظر خبزًا في دمشق، أو تخاف على ابنها من اعتقال عشوائي في القاهرة، أو تودّع ابنها وهو يركب البحر بحثًا عن وطن بديل.
هذه الأم لم تنكسر، لكنها أُنهِكت. لم تهزمها الصواريخ، بل خذلان الحكومات. لم يُطفئها الحزن، بل التناقض بين الشعارات التي تُقال في المؤتمرات، والدماء التي تُسفك في الميدان.
خرائط ممزقة.. وعروش محروسة
العالم العربي اليوم مقسوم إلى خرائط طائفية، وولاءات سياسية متضادة. دول الخليج في تحالفات مع واشنطن ولندن، بينما العراق وسوريا ولبنان في محاور أخرى. السودان يتأرجح بين الانهيار والاقتتال. ليبيا لا تزال تبحث عن مركز قرار. واليمن نُهِش حتى العظم بين صراع إقليمي وأممي.
لكن رغم ذلك، لا تزال عروش الحكّام محروسة بجيوش، وصمت، وتكنولوجيا مراقبة. لم تكن الأنظمة أقوى يومًا مما هي عليه أمنيًا، ولم تكن الشعوب أضعف سياسيًا مما هي عليه الآن.
القضية الفلسطينية… امتحان الكرامة العربية
تُختصر كرامة الأمة، كما كانت دومًا، في موقفها من فلسطين. وهنا يتجلى الفشل. فمنذ أكثر من 605 يوم على العدوان على غزة، والمجازر تُرتكب أمام أعين العرب. الشعوب تهتف وتغضب، ولكنها تُخمد سريعًا. الأنظمة تندد، ولكنها تفتح أجواءها لطائرات العدو، أو تصمت أمام المجازر.
في المقابل، ظهرت بارقة أمل: من مخيمات اللاجئين، ومن بطون الأمهات الصابرات، خرج جيل جديد لا يعرف الهزيمة. جيل لا يعوّل على جامعة الدول، ولا على بيانات الشجب، بل على البندقية والوعي.
مقارنة بين الدول: أين تقف الشعوب من أنظمتها؟
الدولة موقف النظام من فلسطين حريات داخلية موقع الشعب من القرار
الأردن دعم لفظي/ضغط داخلي معتدل ومضبوط أمنيًا متيقظ وغاضب
مصر تطبيع خجول/دور استخباراتي خنق سياسي واقتصادي محاصر بالحاجة
الخليج تطبيع رسمي/تنسيق أمني مرتفع ماديًا، منخفض سياسيًا مشغول بالرفاهية
الجزائر دعم واضح للمقاومة منفتح نسبيًا واعٍ، لكنه محاصر إقليميًا
العراق/سوريا خطاب مقاوم/واقع منقسم صراعات داخلية مُتعب ومُشتت
إلى أين تمضي الأمة؟
رغم كل الظلام، لا تزال هناك شموع تُشعلها أمهات الشهداء، وأقلام المناضلين، وعيون اللاجئين، وطفل في نابلس يحفظ "سورة النصر"، ومعلّمة في الخليل تُدرّس "العروبة" رغم الحصار. الأمة لا تموت، لكنها تمرّ بامتحان وجودي.
إنها بحاجة لنهضة شاملة، تبدأ بالوعي، تمر بالوحدة، وتنتهي بتحرير القرار من التبعية. فليس الخوف من زوال الأمة، بل من أن تستمر على هذا الحال… منكسرة، صامتة، تُبكيها الأمهات، وتخذلها الأنظمة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
31-07-2025 08:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |