28-07-2025 09:33 AM
بقلم : نادية سعدالدين
يشكل اتفاق «أوسلو» (1993) أصل البلاء ومنبّع الخراب؛ فهو الشرارّة التي أفضّت إلى كوارث متواليّة لا نهاية لها بالنسبة للمشروع الوطني الفلسطيني. ورغم كثافة مطالب إلغائه، إلا أن السلطة الفلسطينية تصم آذانها عنها وتمضي في التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي وصل ذروته منذ حرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة، باعتباره روح الاتفاق وركيزته الأساسية.
لم يبقّ من «أوسلو» سوى مثالبه؛ بعدما طوته يد الاحتلال استيطاناً واستلاباً وتهويداً، وعقب تخليه عن آمال الفلسطينيين بالاستقلال وحق تقرير المصير، حينما لم يأتِ على أيّ ذكر «للدولة» الفلسطينية المستقلة، باستثناء الحديث عن قضايا الوضع النهائي، التي إذا ما تم التوصل إلى تسوية لها، حسب رؤية المفاوض الفلسطيني، كان من المفروغ منه أن يقود «منطقياً» إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو تقدير ثبت فشله لاحقاً.
كرست منظمة التحرير بإبرام اتفاق «أوسلو» اعترافها بشرعية الكيان الصهيوني وحقه في الوجود من دون إقراره في المقابل بالحقوق الوطنية الفلسطينية، مثلما جسدت أيضاً تنازلها عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بينما آلت وضعية الأراضي المتبقية إلى أراضٍ متنازع بشأنها وليس أراضي محتلة. وحتى تلك التي تخضع للسلطة الفلسطينية بموجب «أوسلو» وتوابعه من اتفاقات ومذكرات تفاهم، فإن السيادة الفلسطينية عليها منقوصة أو ملغية.
وقد تسبب «أوسلو» في تفكيك مكونات السيادة الفلسطينية، وتقسيم الأراضي إلى ثلاث مناطق جغرافية مما سهل على الاحتلال السيطرة عليها؛ وهي: «أ» (تقع تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة)
و «ب» (تقع تحت السيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الصهيونية)
و «ج» (يسيطر عليها الاحتلال بالكامل)، مما حصر السيادة الفلسطينية «الاسمية» ضمن مساحة تقل عن 40 %، وهي مساحة المدن والقرى والمخيمات، مقابل سيطرة الاحتلال على 61 % من مساحتها في المناطق «ج»، الغنية بالموارد الطبيعية والاقتصادية والإمكانيات الاستثمارية.
سمح «أوسلو» للاحتلال بالانفلات من ضغط اللحظة، والتحرّر من أي التزامات أو مساءلة تجاه انتهاكاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة طالما تلك القضايا (اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه) خاضعة للبحث لاحقاً، فكانت النتيجة مُضي السلطة في ذات النهج بدل مراجعة المسار السياسي غداة فشله، مقابل تسّارع الاحتلال في تنفيذ مخطط التهويد و»الضّم»، مما أدى لقضمّ 80 % من مساحة الضفة الغربية، وترك أقل من 20 % فقط بيّد الفلسطينيين، تشكل 12 % من فلسطين التاريخية، ضمن ثمانية «كانتونات» غير متصلة جغرافياً، وخاضعة للتقويض.
ومع ذلك؛ ما تزال السلطة الفلسطينية تتمسّك «بأوسلو»، برغم ما فرضّه من التزامات أحادية وقيود على أدائها وساحة تحركها منذ تأسيسها عام 1994 حتى الآن، وتصدّر قضية التنسيق الأمني مع الاحتلال وملاحقة كوادر المقاومة واجهّة الملفات الخلافيّة الشائكة بين حركتيّ «فتح» و»حماس»، ومناهضّة غالبية القوى والفصائل الفلسطينية للاتفاق والمطالبة بإلغائه.
إلا أن السلطة تُدرك جيداً تبعات إلغاء «أوسلو» على مصيرها حدّ تفكّكها وانهيارها؛ لأن الاتفاق يشكل الضّلع الأخير في مثلث مرجعيتها، بعد ميثاق منظمة التحرير والقانون الأساسي الفلسطيني، إن لم يكن أساسها الوحيد الآن؛ بعدما همشّت دور منظمة التحرير، التي يخلو تمثيلها من حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وقوى اجتماعية وسياسية وطنية عريضة، فيما أقّر المجلس التشريعي الفلسطيني القانون الأساسي عام 1997، ومن ثم جرى توقيعه عام 2002، فجاء لاحقاً على وجود السلطة، التي تأسّست عام 1994، وليس سابقاً لها ومؤسساً لإطارها العام.
لقد كان مبررا قيام واستمرار السلطة حملها مشروعاً قوامه التحول من سلطة حكم ذاتي على مناطق مجزأة إلى دولة وطنية ذات سيادة على إقليم سياسي وجغرافي (الضفة وغزة وشرقي القدس) وحدود معترف بها وفق عام 1967 وحل لقضية اللاجئين وفق القرار الدولي 194، إلا أن كل ذلك لم يتحقق منه شيء، بينما بقيت السلطة «راسخة» لم يتغير وضعها منذ تأسيسها، خلافاً لآمال أقطاب «أوسلو» العريضة من الجانب الفلسطيني.
لن يستقيم المشروع الوطني الفلسطيني إلا بإلغاء «أوسلو»، وتوابعه ومخلفاته، واستلال خطوات «الإنقاذ» بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ووضع استراتيجية وطنية موحدة قوامها المقاومة، بكافة أشكالها. وما عدا ذلك؛ ستظل مبررّات وجود الاتفاق مجرّد ذرائع لإطالة عمر المكاسّب الضيّقة على حساب مصلحة الوطن المُحتل.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-07-2025 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |