27-07-2025 03:22 PM
بقلم : زياد فرحان المجالي
حين تهزم الفكرةُ القنبلة الذريه…
وتصبح غزة ميزان الشرق
قال سقراط يومًا:
"إذا ركلني حمار، أأقاضيه؟ أم أبادله الركل؟"
وسقراط – إن أردتَ رأيي – لو بُعث اليوم، لما ناقش خصومه في الأكاديميات، بل اكتفى بابتسامة وهو يرى "جيشًا كاملًا" ينهار… لأن خصمه لا يملك خوذة.
في إسرائيل اليوم، لا يتعالى الصراخ لأن النصر تحقق، بل لأن أحدًا في غزة لم يطلب الهزيمة.
الجنرالات يتحدثون عن "صراع وجودي"، وعلماء النفس يُستَدعون لتفسير لماذا "لا ينام الجندي الإسرائيلي"، بينما طفلٌ في غزة ينام على صوت الطائرات وكأنها موسيقى بيتهوفن.
في دولة تدّعي العقلانية، تُعقَد جلسات أمنية طارئة ليس بسبب ضربة استراتيجية، بل لأن مقاتلًا فلسطينيًا كتب منشورًا: "موعدنا تحت الميركافا".
نحن أمام كيانٍ يمتلك كل شيء إلا الشيء الوحيد الذي يُخيف: الثبات.
فهل رأيتم يومًا من يملك النووي يخاف من صاحب البندقية المهترئة؟
نعم… حين يفقد الأول "اليقين"، ويملك الثاني "العقيدة".
في مشهد يبدو خارجًا من مسرحية عبثية:
جندي إسرائيلي خلف منظومة القبة الحديدية، يتناول مهدئًا،
وفي المقابل، شاب لم يُكمل الثانوية، يحمل قاذفة محلية، ويبتسم.
هنا لا نتحدث عن توازن رعب، بل عن اختلال منطق.
هل شاهدت من قبل محتلًا يشعر بالتهديد الوجودي من محاصر؟
هل رأيت دولة تحتل أرضًا، ثم تشتكي للعالم أن أهل الأرض… لا يحبونها؟
هذا هو واقع "دولة العقل" التي استبدلت منطق سقراط… بمنطق الفزع.
في تل أبيب اليوم، يُطلب من السكان عدم الصراخ عند الغارات حتى لا يُصاب الجنود بالتوتر.
وفي غزة، يُطلب من السكان… التكبير.
في تل أبيب، تكتب الأمهات رسائل قلقة لأبنائهن في الجبهة.
وفي غزة، تكتب الأمهات أسماء أطفالهن على أكفانهن الصغيرة، "حتى لا يضيعوا في الزحمة."
من المتفوق؟
من المنتصر؟
من الأهدأ؟
من يصرخ… أم من يتوكّل؟
ختامًا، قال سقراط:
> "الحكمة تبدأ حينما تدرك جهلك."
أما هنا، فيبدو أن الجنرال يبدأ بالصراخ… حين يدرك أن خصمه لا يخاف من الموت.
فمن هو الحمار في هذا الحوار؟
سؤال بليغ يحمل بعدًا فلسفيًا وساخرًا معًا.
فالحمار – في قول سقراط – لم يكن كائنًا عاديًا، بل رمز للجهل والغرور والتهوّر.
هو الكيان الذي يستخدم القوة بلا حكمة، ويصرخ لأنه لم يُطَع، ويخشى لأن الآخر لم يخَف.
الحمار هنا ليس جنديًا بعينه، ولا شعبًا بحد ذاته، بل هو:
السلوك العدواني الغاشم حين يُقابَل بالعقل والثبات،
الكيان الذي يصيح لأنه اعتاد أن يُطاع،
"الجيش الذي لا يُقهر" حين يُهزم أمام من لا يملك خوذة… ولا يخاف.
وهنا عبقرية المشهد:
فالحمار لم يعد مجرد دابة،
بل أصبح تجسيدًا لفكرٍ متعجرف، يُقهر لا حين يُقاتَل، بل حين يُتجاهل صراخه بثبات.
غزة… عندما تصبح العقيدة سلاحًا
وما يحدث اليوم، ليس مجرد انهيار في الأعصاب داخل مؤسسة عسكرية، بل تحوّل في ميزان الهيبة الإقليمي.
فحين تفقد إسرائيل قدرتها على ردع خصمٍ بلا سلاحٍ ثقيل، فإن رسائل ذلك تتجاوز حدود غزة:
إلى محورٍ يقيس المعركة بمنطق "الصبر الاستراتيجي"،
وإلى دولٍ كانت تراهن على أن "الجيش الذي لا يُقهر" قادرٌ على حماية توازناتها،
وإلى عواصم تبحث الآن عن بدائل للضمانة الأميركية… وربما للهيمنة الإسرائيلية أيضًا.
في لحظة فارقة، باتت غزة تُعيد تعريف الخوف في المنطقة:
لم يعد مرادفًا للقوة… بل للشك في هذه القوة.
ولم يعد ردع العدو هدفًا… بل صموده نفسه صار سلاحًا.
وبهذا المعنى، يصرخ الجيش لأنه فقد ما لا يُشترى: الهيبة.
ويصمت المقاوم… لأنه يملك ما لا يُقهر: الإيمان بالحق.
خاتمة
حين يصرخ من فوق… فاعلم أن من تحته لا ينكسر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-07-2025 03:22 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |