27-07-2025 09:48 AM
بقلم : مكرم أحمد الطراونة
ما بين السابع منذ أكتوبر واليوم، واحد وعشرون شهرا، جرت خلالها مياه كثيرة من تحت أقدامنا، ففي حين استكشفنا في بدايتها هشاشة الكيان، وعدم استحالة هزيمته عسكريا، وصلنا اليوم إلى مرحلة من اليأس والقنوط لم نختبرها من قبل.
كانت المواجهة شديدة، وقد أدارت المقاومة معركتها فيها بثبات، ومن المنتصر، وهي التي بقيت صامدة شهورا طويلة، ولم يؤثر القصف الوحشي، إلى حد ما، على تماسكها وهياكلها وبناها، خصوصا أن كوادرها العسكرية ظلت تعمل ضمن أطر هرمية ومجموعات منتظمة القيادة، لذلك استطاعت فرض هدنة ظهرت فيها وقد جنت نقاطا كثيرة ضمن جولات المواجهة.
يبدو أن ذلك كان في الماضي، وربما يمكن القول قبل تغير الإدارة الأميركية، ومجيء الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم بإدارة يمينية تتبنى وجهة النظر الصهيونية كاملة، والتي أطلقت العنان لـ"أحلام نتنياهو" ويده في استكمال الإبادة الجماعية للغزيين، وتنفيذ "الترانسفير" بقوة القصف والتجويع لكل من لا يرغب بالمغادرة.
اليوم، تدخل معادلات المواجهة بين المقاومة والاحتلال منعطفات زلقة، خصوصا بعد تدمير قوة حزب الله وإيران، وتفكك وحدة القرار العربي، وتخاذل المجتمع الدولي. ينبغي على حماس أن تدرك بأنها بصدد إدارة الهزيمة، وأن ما كان متاحا لها في بداية المواجهة انحسرت عنه الخيارات، ولم يبق لديها سوى العمل على إنقاذ نفسها وما بقي من كوادرها.
نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة نجحوا في حرب الإبادة التي شنوها على القطاع. واليوم ليست حماس وحدها التي تقع تحت مؤشر الخطر، بل جميع سكان غزة المهددين بالموت قصفا أو جوعا، أو تهجيرا إذا ما قررت واشنطن الاستمرار في التغاضي عن خطط نتنياهو الواضحة والرامية إلى الدفع بالسكان خارج القطاع.
هناك أيضا نجاح نتنياهو وائتلافه المتطرف في قضم أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتصويت الكنيست على ضم الضفة، ما يلغي من الأساس أي أفكار حول الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي مواجهة تتهيأ لها حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، ليس مع المقاومة الفلسطينية، بل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، خصوصا الدول الأوروبية الكبيرة، والتي ما تزال متمسكة، بالخطابات من على المنابر، بحل الدولتين، لكنها، ومنذ توقيع اتفاق أوسلو، لم تفعل أي شيء للضغط على الاحتلال لإجباره على الدخول في مفاوضات قضايا الوضع النهائي الهادفة إلى التوصل لحل دائم للصراع، والمتمثلة بالحدود، والمستوطنات، والقدس، واللاجئين، والأمن.
هذه أمور لا يريد المتحمّسون والإعلام الثوري العربي الاعتراف بها، فهم يدّعون أن المقاومة ما تزال تمتلك أدواتها في مواجهة المشروع الصهيوني، وأنه لولا خذلان العرب لكنا صلينا في القدس منذ أكثر من عام!
هذا كلام عاطفي، وليس قراءة لما حدث، ولا لما هو قادم من ويلات كثيرة، فهم لا يعترفون أن المقاومة أقدمت على عمل غير محسوب، ومارست فعلا انتحاريا واضحا، ضحّت فيه، ليس بنفسها فحسب، بل وبالشعب الفلسطيني في قطاع غزة بأكمله، كما لا يعترفون كذلك، بأن الذين يتحدثون عن الخذلان العربي للمقاومة، إنما يطالبون تلك الدولة بالإقدام على الانتحار طواعية في ظل معادلة مختلة، ليس فيها أي بند لصالح العرب.
لست متشائما كثيرا، فأنا أؤمن أن فلسطين عربية، وستبقى كذلك، فلا بد لها من العودة يوما إلى حضنها العربي، ولا بد لنا من أن نعود إليها. لكنني أؤكد أن اللحظة الراهنة ليست لنا، وأنّ قراءة اللحظة الراهنة والمتغيرات الإقليمية والدولية، وما يمكن أن ينتج عنها في المستقبل، هي أولى خطواتنا لتصحيح مسارنا، والبدء من جديد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-07-2025 09:48 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |