02-07-2025 01:35 PM
بقلم : د. خالد السليمي
بين الفساد والنمو… علاقة عكسية قاتلة
الفساد ليس مجرد سلوك منحرف، بل هو نظام خفي ينهش جسد الدولة من الداخل ويعطّل حركة التنمية ويقتل الأمل في نفوس المواطنين، كل دينار يُهدر في الفساد هو دينار يُسحب من التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وفرص العمل، العلاقة بين الفساد والنمو الاقتصادي علاقة عكسية صارخة، فكلما ازداد الفساد، انخفض الاستثمار، وتراجعت الكفاءة، وساد الإحباط الشعبي، لذلك، فإن معركة تصفير الفساد ليست معركة قانون فقط، بل معركة بقاء ونهضة، إذا أردنا اقتصاداً منتعشاً، فيجب أن نعلن الحرب على الفساد بكل أشكاله، وأن نربط بين النزاهة وبين مصلحة الوطن العليا، دون تهاون أو انتقائية.
التصفير ليس حلماً... بل هدف استراتيجي
تصفير الفساد ليس شعاراً مثالياً ولا خيالاً سياسياً، بل هدف استراتيجي قابل للتحقيق بإرادة سياسية، وتشريعات رادعة، ومؤسسات رقابية فاعلة، الدول التي نجحت في ذلك لم تكن أفضل من الأردن في الإمكانيات، لكنها امتلكت العزيمة والشفافية والشجاعة، المطلوب اليوم هو تكاتف وطني شامل، يبدأ من قمة هرم الحكومات ويصل إلى المواطن العادي، حين يشعر الجميع أن القانون فوق الجميع، وأن الثواب والعقاب يُطبّقان بلا محاباة، تبدأ رحلة التغيير، التصفير لا يعني استحالة وجود الأخطاء، بل يعني بناء منظومة تمنعها، تفضحها، وتعالجها بسرعة قبل أن تتحول إلى شبكة فساد منظمة.
بيئة تشريعية تُحصّن الدولة من الداخل
الحديث عن تصفير الفساد لا يكتمل دون مراجعة حقيقية وجريئة للبيئة التشريعية الناظمة للعمل العام، القوانين المهترئة، والثغرات القانونية، وتضارب الصلاحيات، كلها بيئات خصبة لنمو الفساد واختراق المؤسسات، المطلوب اليوم هو إنتاج حزمة قوانين إصلاحية حديثة، تواكب العصر، وتُسهم في تعزيز النزاهة والشفافية، قانون الكسب غير المشروع، وتعارض المصالح، وحماية المبلّغين، كلها مفاتيح أساسية لإنشاء نظام يجرّم الفساد ويُحاصر جذوره، فكما أن الاقتصاد لا ينهض من دون تشريعات عصرية، فإن الحرب على الفساد لا تُكسب بدون أدوات قانونية رادعة وعادلة.
الإدارة العامة... من الترضية إلى الكفاءة
واحدة من أهم بؤر الفساد في الدول النامية تكمُن في الإدارة العامة، حين تتحول المواقع الوظيفية إلى مكافآت سياسية أو اجتماعية بدلاً من أن تكون ميداناً للكفاءة والجدارة، تصفير الفساد يمُرُ أولاً من بوابة إصلاح الإدارة العامة، عبر وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وبمعايير موضوعية لا تخضع للمحسوبيات، كما أن الرقابة الداخلية، والحوكمة الرقمية، وتقييم الأداء المستمر، هي وسائل فعالة لكشف التراخي والفساد الإداري قبل تفشيه، المطلوب ليس فقط محاسبة الفاسدين، بل أيضاً تجفيف منابع الفساد عبر هندسة إدارية جديدة تعيد الاعتبار لمفهوم الخدمة العامة.
الإعلام... سلطة رقابية أم شاهد صامت؟
الإعلام النزيه والمسؤول هو شريك أصيل في معركة تصفير الفساد، لا متفرج ولا شاهد زور، حين يُمنح الإعلام الحرية الحقيقية والإمكانات المهنية، فإنه يتحول إلى سلطة رقابية فاعلة تلاحق الفساد، وتفضح الخلل، وتبني الوعي الجمعي، لكن حين يُحاصر الإعلام، أو يُجامل الفاسدين، أو يُغرق في التسطيح، يصبح جزءاً من المشكلة لا من الحل، لذلك، فإن استراتيجية مكافحة الفساد يجب أن تشمل حماية الصحفيين، وتفعيل قانون حق الحصول على المعلومات، وتشجيع التحقيقات الاستقصائية، الإعلام هو صوت المجتمع، وإذا خُنق هذا الصوت، صمتت العدالة وساد الفساد.
الشفافية الرقمية كدرع وطني واقٍ
في عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، أصبحت الشفافية الرقمية سلاحاً استراتيجياً لمحاربة الفساد وتعزيز النزاهة، الحكومة الإلكترونية ليست مُجرد رفاه تقني، بل منظومة تُقلل من الاحتكاك البشري، وتمنع التلاعب، وتُسرّع الإجراءات، قاعدة البيانات المفتوحة، والمشتريات الحكومية الرقمية، وأنظمة التتبع المالي، كلها أدوات تكشف الانحرافات قبل أن تتحول إلى أزمات، إن بناء بنية تحتية رقمية شاملة في كل مفاصل الدولة يجب أن يكون أولوية في معركة تصفير الفساد، الرقمنة ليست رفاهية، بل حماية لمقدّرات الدولة، وصيانة لحقوق المواطن، وتجسيد حقيقي لمبدأ "المكاشفة قبل المحاسبة".
المواطن... العين الرقيبة والمصدر الأول للشرعية
معركة الفساد لا تُكسب من الأعلى فقط، بل تبدأ من قاع المجتمع، حين يتحول المواطن إلى شريك رقابي، فتتقلص مساحة الفساد تلقائياً، المطلوب اليوم هو إعادة بناء العلاقة بين المواطن والدولة على أساس الثقة المتبادلة والمشاركة الفاعلة، إطلاق تطبيقات تبليغ عن الفساد، وتوسيع صلاحيات هيئات الرقابة المجتمعية، وتدريس مبادئ النزاهة في المدارس، كلها أدوات تمكّن المواطن من أداء دوره، الفاسدون يختبئون حين يشعرون أن العيون مفتوحة، أما حين يسود الصمت، فإن الفساد ينتعش وينتشر، الدولة القوية هي التي تستقوي بشعبها، لا التي تخشى وعيه وصوته.
الاقتصاد النظيف طريق للاستثمار والنمو
الفساد يَطرُد الاستثمار، ويشوّه البيئة الاقتصادية، ويضعف التنافسية، أما الاقتصاد النظيف، المبني على الشفافية والمنافسة العادلة، فهو البيئة المُثلى لجذب رؤوس الأموال وتحقيق النمو الحقيقي، المستثمر المحلي والأجنبي يبحث عن بيئة واضحة المعالم، لا تُبتز فيها الإجراءات، ولا تتبدل فيها القوانين تبعاً للوجوه، تصفير الفساد يعني أن الاقتصاد يعمل لصالح الجميع، لا لصالح فئة محظوظة، ولذلك، فإن ربط محاربة الفساد بتحفيز الاقتصاد يجب أن يكون ضمن أي رؤية استراتيجية وطنية، لا يمكن الحديث عن انتعاش اقتصادي في ظل مؤسسات مثقلة بفساد خفي يقتل الطموح والمبادرة.
القيادة الهاشمية... الضامن والمحفّز للتغيير
في معركة تصفير الفساد، تبرز القيادة الهاشمية كضامن وطني ومحفّز استراتيجي للتغيير، لقد أثبت جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمين بحكمتهم وحنكتهم بأن لا تسامح مع الفساد، وأن بناء دولة القانون هو خيار لا رجعة عنه، رؤيتهم السياسية والاقتصادية تنطلق من الإيمان بأن كرامة المواطن تبدأ من نزاهة الدولة، وأن اقتصاداً قوياً لا يبنى على أرض رخوة بالفساد، لقد قدّم جلالته توجيهات واضحة لمأسسة النزاهة وتعزيز الشفافية، وأطلق مشاريع كبرى لإصلاح الإدارة والرقابة والاقتصاد، والتفاف الشعب الأردني حول قيادته هو صمّام الأمان لإنجاح هذا المسار، وتحقيق الحلم الوطني بدولة خالية من الفساد، مزدهرة بالعدالة والإنتاج.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-07-2025 01:35 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |