حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,2 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6707

مطالقة يكتب : الحرب كشفت الثغرات… والجاهزية تنتظر التشريع والتنفيذ

مطالقة يكتب : الحرب كشفت الثغرات… والجاهزية تنتظر التشريع والتنفيذ

مطالقة يكتب : الحرب كشفت الثغرات… والجاهزية تنتظر التشريع والتنفيذ

01-07-2025 11:37 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
المحامي محمد إبراهيم مطالقة

الحرب الأخيرة بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، التي وصلت تأثيراتها إلى أجواء الأردن في حزيران 2025، لم تكن مجرد أزمة إقليمية؛ بل كانت جرس إنذار داخلي حقيقي. فحين تعبر المسيّرات والصواريخ سماء البلاد، ولا يسمع المواطن أي توجيه، ولا يجد مأوى يلجأ إليه، تصبح الدولة في مواجهة أسئلة جوهرية: من يحمي الناس؟ وأين النصوص التي تُنظم هذه الحماية؟

في الأزرق وإيدون، سقطت قذائف وشظايا تسببت في أضرار مادية بالغة. لم نسمع عن جهة أعلنت مسؤوليتها، ولم يصدر عن الدولة أو البلديات أي موقف واضح بشأن تعويض المتضررين أو حتى تقييم الأضرار. ويُلاحظ هنا الفراغ القانوني الخطير: لا يوجد نظام يُنظم جبر الضرر الناتج عن الطوارئ غير العسكرية، ولا صندوق وطني للكوارث، ولا جهة رسمية مكلفة بحصر الأضرار الناتجة عن أحداث الحروب العابرة للأراضي الأردنية.

الدستور الأردني في المادة (6) يقرّ بأن "الأردنيين أمام القانون سواء"، وأن "تحمي الدولة العمل والملكية". لكن دون نصوص تفصيلية تُفعّل هذه المبادئ في حالات الطوارئ، يبقى الحق معلقًا، والمواطن معرضًا للخطر دون حماية فعلية.

على مستوى البنية، لا تشريعات قائمة تلزم البلديات أو أمانة عمان الكبرى بإنشاء ملاجئ عامة، ولا يوجد في نظام الأبنية والتنظيم ما يفرض على المشاريع السكنية أو التجارية إنشاء غرف طوارئ أو ملاجئ. بل إن الملاجئ التي كانت جزءًا من النسيج المدني في العقود الماضية، اختفت بهدوء، دون أن يحلّ محلها أي التزام قانوني جديد.

ففي وقتٍ مضى، كانت الملاجئ تُعد مشهدًا مألوفًا في الأحياء السكنية؛ تنتشر بين المنازل، وتُستخدم عند الحاجة كملاذ آمن، بل وكان الأطفال يلهون حولها ويعتادون وجودها كجزء من الحي. هذه الصورة التي كانت جزءًا من الطفولة لدى كثير من الأردنيين، تلاشت اليوم تمامًا، حتى في الأبنية الحديثة التي لم تُلزم بتوفير مثل هذه المرافق، وكأن التهديدات لم تعد قائمة أو لم تعد تؤخذ على محمل الجد.

أما على صعيد الإنذار، فالمفارقة مؤلمة. خلال الحرب، أُطلقت صافرات في عدد من المدن أثناء الدوام الرسمي، دون أن يتبعها أي إجراء إخلاء، أو حتى توجيه عام من الدفاع المدني. الأسوأ من ذلك، أن بعض هذه الصافرات انطلقت خلال امتحانات التوجيهي، دون أن تصدر وزارة التربية أو لجنة الطوارئ أي تعليمات ملزمة. وهذا يثبت أن الصافرة بلا خطة، هي مجرد صوت لا معنى له.

من الناحية القانونية، لا يوجد نظام خاص لحالات الطوارئ المدنية، ولا قانون يُنظم التنسيق بين الدفاع المدني، وزارة الداخلية، البلديات، ووزارات الخدمات. كذلك لا يوجد أي إطار تشريعي يُحمّل جهات معينة المسؤولية عن الحماية أو التقصير، وهو ما يعني عمليًا أن حياة الناس في خطر دائم… دون محاسبة.

تجارب الدول الأخرى، مثل دولة الاحتلال، تُظهر واقعية الإجراءات حين تُبنى على أساس تشريعي. هناك، تُدرج الملاجئ ضمن رخص البناء، وتخضع لرقابة الدفاع المدني، وتُشترط في المجمعات السكنية والمدارس والمولات. والفرق هنا، أن تلك الدول تعتبر الحماية حقًا مدنيًا لا يُترك للاجتهاد.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط توصيات، بل تشريعات صريحة ونافذة، تشمل:

تعديل نظام الأبنية والتنظيم بإضافة شرط إنشاء ملجأ أو غرفة طوارئ في كل مشروع سكني أو تجاري.

إصدار نظام خاص يُلزم البلديات بإنشاء ملاجئ عامة موزعة على أحياء المدن والبلدات، بحد أدنى محدد لكل عدد من السكان.

إقرار قانون للطوارئ المدنية والحماية المجتمعية، ينظم التنسيق ويضع آليات واضحة للتنفيذ والمساءلة.

إنشاء صندوق وطني لتعويض الأضرار الناتجة عن الطوارئ، وتحديد الجهة المختصة بتقييمها.

تضمين شروط الحماية ضمن رخصة البناء، وربط إصدار الرخصة بموافقة الدفاع المدني على جاهزية المأوى.


وبالمقابل، يجب أن تُحمّل الجهات المقصّرة مسؤولية قانونية. فالتقصير في إنشاء بنية وقائية في مناطق مكتظة بالسكان، أو تجاهل تعليمات الإخلاء، أو إطلاق صافرات بلا خطة، كلّها أشكال من الامتناع الضمني عن حماية الحق بالحياة والسلامة.

الخلاصة: الحماية ليست ترفًا إداريًا، بل التزام قانوني يجب أن يجد له نصوصًا واضحة، وآليات تنفيذية، ومسؤولين يُسألون أمام القانون. وكل تأخير في ذلك، يُبقي المواطن الأردني أمام المجهول، ومعرّضًا للخطر... دون غطاء قانوني أو حتى إنذار يُعتد به.








طباعة
  • المشاهدات: 6707
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
01-07-2025 11:37 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم