23-06-2025 09:10 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لإيران القدرة على إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، ولكنها غير متعجلة حتى الآن في استخدام تلك الورقة الوازنة إزاء تداعياتها الثقيلة ولأجل الحفاظ على الدعم الدولي والزخم السياسي المُتشكل. إلا أنها قد تضطر لاتخاذ تلك الخطوة عند انغلاق المنافذ واشتداد زخم العدوان الصهيوني – الأميركي، كنوع من الضغط لوقفه، وفي مواجهة أسوأ السيناريوهات خطورة.
وقد سبق لمسؤولين إيرانيين التهديد بنشر ألغام في مضيق هرمز إذا شاركت الولايات المتحدة في الهجمات الصهيونية على إيران. أما وقد فعلته واشنطن؛ فإن ذلك يُعيد أحد أهم الممرات الحيوية للطاقة في العالم إلى واجهة المشهد العالمي مرة أخرى.
وسواء شمل التهديد الإيراني إغلاق مضيق هرمز، أو عرقلة حركة الملاحة البحرية فيه؛ فإن تقدير حسابات طهران من وراء تلك الخطوة وتنفيذها متروك للحرس الثوري الإيراني، منذ أن أوكل النظام الإيراني إليه مسؤولية حماية مضيق هرمز بأوامر مباشرة من المرشد الأعلى الإيراني «علي خامنئي» الذي قرر، في أيلول عام 2008، تحويل مسؤولية أمن مياه الخليج العربي من القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني إلى قوات الحرس الثوري الإيراني.
وتستند إيران في هذا التهديد إلى خلو قانونها البحري من الاعتراف بالمضائق الدولية، رغم أنها من الدول الموقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار» لعام 1982، مع التحفظات، بما يقدم المظلة لإعلان الحرس الثوري الإيراني إحكام السيطرة على حركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز، ونشر قواته وعتاده العسكري عند مشارفه الشمالية والشرقية، باعتباره القيم عليه.
إلا أن إقدام إيران على خطوة إغلاق مضيق هرمز ليست سهلة؛ فالممر المائي الذي يبلغ طوله 90 ميلاً بحرياً يعد شرياناً نفطياً عالمياً وطريقاً رئيساً للشحن، حيث يمر عبره حوالي 40 % من الإنتاج العالمي النفطي، ونحو 80 % من النفط السعودي والعراقي والإماراتي والكويتي نحو الأسواق الآسيوية، وأكثر من 20 % من صادرات الغاز الطبيعي المسال، فيما يشكل معبراً حيوياً لنقل نحو 22 % من السلع والبضائع التجارية الأساسية في العالم، منها المستوردة لدول الخليج العربية، فضلاً عن اعتماد الواردات النفطية والغازية الكبيرة لدول العالم، متضمنة تلك الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية، على المرور الآمن للناقلات منه.
وبذلك؛ فإن توقف حركة الملاحة في المضيق سيخل بالسوق العالمية، ويشكل كارثة اقتصادية وغذائية عالمية، ويُهدد أمن المنطقة بالكامل، فيما سيؤدي نشر الألغام في هذا الممر الاستراتيجي إلى ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، ويُلقي بتبعات مكلفة وخطيرة بالنسبة للبحرية الأميركية، ولكنه، أيضاً، سيُلحق الخسائر الفادحة بالأصدقاء والأعداء والخصوم معاً، مما سيضع إيران أمام مواجهة المجتمع الدولي المدعوم بقرارات أممية، وليس الولايات المتحدة والدول الغربية فحسب، لما يشكل، وفق ما تسوقه من ذرائع، انتهاكاً للقوانين الدولية الناصة على أمن وحرية الملاحة البحرية في المضائق، كما سيؤثر على اقتصاد إيران المُنهك، ويُصيب أنشطتها العابرة للمضيق بالضرر، ويؤثر على دخلها من النفط الذي تبيعه للصين، ويُضعف جهودها في تجنب المزيد من العقوبات الأميركية وحشد التأييد الدولي ضدها.
ومع ذلك؛ وفي حال اشتداد الهجمات الصهيونية – الأميركية، فإن كافة السيناريوهات ستظل مفتوحة بالنسبة لإيران؛ ومنها قيام الحرس الثوري الإيراني بزرع الألغام واستخدام الصواريخ الباليستية المنتشرة على طول السواحل الإيرانية لإعاقة مرور السفن، أو مهاجمة منصات النفط وموانئ التصدير والإنتاج والتعرض لناقلات النفط والسفن التجارية كاستراتيجية بديلة قد يتنصل من تهم مسؤوليتها بسهولة ويجنبه الصدام المباشر مع القوى الإقليمية والدولية، أو افتعال حادث غرق ناقلة أو تصادم بين سفن تجارية لإعاقة حركة المرور عبر المضيق لبعض الوقت، مما يوفر مساحة تحرك إيرانية للضغط تجاه وقف العدوان، ولكن ستكون له انعكاسات خطيرة على اقتصاد دول المنطقة نتيجة إعاقة خطوط الإمداد التجاري.
لن تُهزم إيران بسهولة. إلا أن الكيان الصهيوني يصر على جر المنطقة لكارثة وشيكة باستمرار عدوانه تحت ذريعة أهداف استراتيجية لم يتمكن حتى الآن من تحقيقها. ومع الانخراط الأميركي المحدود فيه في إطار «حفظ ماء الوجه»، فإن عدم الاستفادة من الزخم السياسي الراهن قد يجعل الأرضية غير متوفرة لإطلاق مسار دبلوماسي للتهدئة، ويزيد من مخاطر التصعيد نحو صراع إقليمي واسع النطاق.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-06-2025 09:10 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |