22-06-2025 02:50 PM
بقلم : د. خالد السليمي
التغريدات كأداة حرب نفسية: انعدام الاتساق كتكتيك
منذ بداية يونيو 2025، استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصته في X (تويتر سابقاً) كمنبر لخوض حرب نفسية متُعددة الاتجاهات، تصريحاته المتناقضة عن إيران تراوحت بين التهديد العنيف بالضرب، وادعاء منحه "فرصة السلام الأخيرة" لطهران خلال أسبوعين، هذا الأسلوب في الاتصال الجماهيري لم يكن ناتجاً عن تخبط فحسب، بل اتخذ شكلاً استراتيجياً مقصوداً يُعرف باسم "إدارة الإدراك العدائي"، حيث يتم استخدام الخطاب المتناقض كوسيلة لإرباك الخصم وإرباك الحلفاء أيضاً، تكتيك خلق الضبابية يعكس رغبة ترامب في تقويض قدرة إيران على اتخاذ قرارات محسوبة، وجعل صناع القرار الإيرانيين يتصرفون على أساس افتراضات متغيرة باستمرار، هذه الطريقة، رغم ما تحمله من فوضى، تُعد جزءاً من مدرسة سياسية تعتمد على اللاعقلانية المحسوبة كقوة ضغط.
قرار الضربة: من يملي؟ الرئيس أم المجمع الصناعي العسكري؟
رغم أن ترامب يقدّم نفسه كمقرر أول وأخير، إلا أن قرار توجيه ضربة جوية لم يأتِ من فراغ أو اجتهاد فردي، تقارير مسرّبة من البنتاغون أكدت أن اجتماع مجلس الأمن القومي مساء 20 يونيو شهد ضغطاً متزايداً من ممثلي المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، خصوصاً شركات مثل ( RaytheonوLockheed Martin)، الذين رأوا أن التوتر مع إيران فرصة لتجديد الطلبات الدفاعية طويلة الأمد، كذلك، أظهرت تقارير استخباراتية داخلية أن جهاز الأمن القومي دفع نحو الضربة بعد رصد تحركات لوجستية إيرانية فُسّرت كنية هجومية، ترامب وافق على القرار لا لأنه خيار أفضل، بل لأنه مخرج إعلامي وسياسي آمن يعيد له زمام القيادة أمام الرأي العام الأمريكي والدولي.
الضربة الجوية: بين الاستعراض والسيطرة المحدودة
الضربة الأمريكية التي استهدفت مفاعلات نطنز وفوردو وأصفهان نُفذت بدقة جراحية باستخدام قاذفات (B-52)، وتم إطلاق صواريخ بعيدة المدى من طراز (JASSM-ER)، على الرغم من البنية التكنولوجية المتقدمة للهجوم، فإن تقييمات ما بعد الضربة كشفت ضعفاً في الاستخبارات الميدانية، حيث كانت إيران قد أخلت المنشآت الحيوية قبل أيام، تقارير من معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية أشارت إلى أن طهران استخدمت تكتيك "التحييد الصامت" عبر نقل المعدات السرية إلى مواقع أخرى تحت الأرض، هذه النتيجة قللت من أثر الضربة على مستوى الردع، ما يُظهر أن الضربة كانت أشبه بـ "عرض ناري" موجه للرأي العام، أكثر من كونها عملية عسكرية تغير المعادلات على الأرض.
إيران: الاستُعداد المسبق والرد المحسوب
الرد الإيراني لم يكن انفعالياً بل محسوباً استراتيجياً، منذ أسابيع، أشارت صور أقمار صناعية إلى نشاط غير معتاد حول منشآت (نطنز وفوردو)، ما دل على نية إيران إخلاء أو إعادة تموضع، بعد الضربة، أصدرت طهران بياناً يؤكد أن منشآتها لم تُصب بأضرار كبيرة، وأن الأجهزة الحساسة تم تأمينها في مواقع أكثر تعقيداً، في المقابل، كان الرد الإعلامي الإيراني أقوى من الفعل العسكري، حيث استخدم خطاب الحرس الثوري أسلوب "الرد المؤجل"، مؤكداً أن طهران لن تنجر إلى سيناريو يريد ترامب فرضه، هذه الاستراتيجية تعكس فهماً عميقاً لطبيعة الخصم الأمريكي، وسعياً لجره إلى ساحة مواجهة غير متكافئة سياسياً واقتصادياً.
الحلفاء في حالة صدمة: دعم صامت وقلق متزايد
في الدوائر الأوروبية، وُصفت الضربة الأمريكية بأنها تصعيد غير مبرر، وأنها تهدد بزعزعة النظام العالمي، فرنسا وألمانيا طالبتا بوقف التصعيد فوراً، ووصفتا العمل العسكري بأنه "قرار أحادي الجانب يفتقر للتشاور الدولي"، بريطانيا، رغم تحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة، امتنعت عن إصدار بيان رسمي خلال الـ 24 ساعة الأولى، ما يعكس تردداً واضحاً في دعم هذا التصرف، حلف الناتو لم يعلن تبنيه للضربة، بل اكتفى بتعزيز جاهزيته في مناطق بحرية دون الانخراط السياسي، هذه المؤشرات تعكس أن ترامب يفتقد للغلاف الشرعي الدولي في قراراته، وأن الضربة تمثل عزلة استراتيجية لا تعكس توافقاً دولياً.
الصين وروسيا: حسابات باردة... ونار تحت الرماد
بينما كانت الطائرات الأمريكية تعود إلى قواعدها، بدأت الصين وروسيا تفعيل شبكات الرصد والتحرك الهادئ، بكين رفعت حالة التأهب في بحر الصين الجنوبي، وأجرت مناورة بحرية موسعة، في إشارة إلى استُعداد غير مباشر لأي تصعيد عالمي، روسيا، من جهتها، نشرت وحدات استخبارات إلكترونية في سوريا وأرمينيا، ودفعت بسفن مراقبة استراتيجية إلى المتوسط، هذا التفاعل يوضح أن الضربة لم تمر على القوى العظمى مرور الكرام، بل أثارت قلقاً من اختلال التوازن النووي العالمي، خصوصاً في ظل عدم وجود مظلة قانونية أو تحالفية دولية تُبرر الهجوم الأمريكي.
الداخل الأمريكي: ضربة لأغراض انتخابية لا استراتيجية
في واشنطن، لم تكن الضربة مفاجئة بقدر ما كانت متوقعة من شخصية مثل ترامب، الذي يخوض حملة انتخابية داخلية شرسة وسط اتهامات بالفساد والتواطؤ، مستشاروه المقربون، مثل ستيف بانون، نصحوه بتحقيق نصر خارجي سريع يعيد تصدير صورة القائد الحاسم، لكن الضربة فشلت في تحقيق نتائج ملموسة، ما جعلها عرضة للنقد حتى من داخل الحزب الجمهوري، تقارير من داخل الكونغرس أشارت إلى استياء من تجاوز صلاحيات المؤسسة التشريعية، حيث لم يُستشر الكونغرس قبل تنفيذ العملية، هذه المعطيات تؤكد أن القرار لم يُتخذ بناءً على تقييمات استراتيجية، بل جاء ضمن سيناريو توظيف السياسة الخارجية لأهداف انتخابية داخلية.
الانقسام الداخلي الأمريكي: بين نخب منقسمة وشعب يرفض المغامرة
تسببت الضربة الجوية على إيران بانقسام داخلي واسع داخل الولايات المتحدة، استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب يوم 21 يونيو كشف أن 56% من الأمريكيين يرفضون خوض بلادهم حرباً جديدة لا يمكن التنبؤ بنتائجها، خصوصاً في ظل تصاعد الأزمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، في المقابل، أيد 31% فقط النهج العسكري دون شروط، فيما أبدى 13% عدم اهتمام واضح، النخب الفكرية والأكاديمية، مثل مجلس العلاقات الخارجية، حذرت من أن استخدام القوة دون استراتيجية خروج واضحة سيقود أمريكا إلى مستنقع جديد في الشرق الأوسط، هذا الانقسام يُضعف من صورة التماسك الأمريكي ويعزز من قدرة الخصوم على استغلال ثغرات القرار السياسي الداخلي.
هل فتح ترامب باباً بلا عودة؟
استهداف منشآت نووية، حتى وإن لم تكن عسكرية بالكامل، يُعد كسراً لقواعد الاشتباك غير المعلنة منذ نهاية الحرب الباردة، هذه الضربة تفتح المجال لدول مثل كوريا الشمالية، أو حتى باكستان، لإعادة النظر في قواعد الردع والردع المضاد، إيران من جهتها، يمكن أن ترد بأساليب غير متوقعة: عبر وكلاء إقليميين، أو بهجمات سيبرانية نوعية، أو بتحريك ملفات عالقة في مناطق كاليمن ولبنان، من زاوية أخرى، فإن استمرار التصعيد دون مظلة أممية أو تحالفات واضحة قد يُنتج حالة من الفوضى العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، ويفتح أبواباً أمام فاعلين غير حكوميين للدخول في صراع عالمي مفتوح،
الخلاصة
ترامب لا يتحرك باستراتيجية وطنية شاملة، بل يخضع لمعادلة المصالح الشخصية، والموجهات غير الرسمية داخل الدولة العميقة الأمريكية، ما حدث في 22 يونيو ليس ضربة ضد إيران فقط، بل ضد استقرار النظام العالمي، وتهديد لإعادة بناء الردع الدولي، غياب التنسيق مع الحلفاء، وتناقض التصريحات، واستخدام القوة دون تغطية سياسية، كلها تشير إلى أن ترامب يعيد تشكيل السياسات الدولية على أسس شخصية لا مؤسسية.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-06-2025 02:50 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |