بقلم : نضال أنور المجالي
وسط عمان، قلب العاصمة النابض ومرآة تاريخها وتراثها، يواجه اليوم تحديات جمة تهدد هويته الأصيلة. فبين زحام المارة وصخب الباعة، تتجلى ظاهرة مقلقة باتت تؤرق الكثيرين: غياب واضح للمواطن الأردني في الأنشطة التجارية التي كانت يوماً حكراً عليه، وتغلغل جنسيات غير أردنية في مفاصل الاقتصاد الشعبي للمنطقة.
يكاد المشهد يتكرر يومياً في أسواق الخضار ومحلات البقالة الصغيرة؛ أيادٍ غير أردنية تعرض بضاعتها، وأصوات لهجات غريبة تملأ الأجواء. الأمر لا يقتصر على الباعة المتجولين أو أصحاب البسطات العشوائية، بل يمتد ليشمل محلات قائمة، وحتى مهنة "السمسرة" التي تُعد عصب حركة البيع والشراء في الأسواق، حيث بات يتحكم فيها أفراد ليسوا أردنيين. فهل من المنطق أن يكون مصير سوق الخضار، الذي يلامس قوت يوم كل مواطن، بيد سماسرة لا ينتمون لهذه الأرض ولا يحملون هموم أبنائها؟ هذه المهنة تحتاج إلى معرفة عميقة بالسوق المحلي وعلاقات وثيقة بأهله. هذا التحول ليس مجرد تغيير في التركيبة السكانية للعاملين، بل هو مؤشر على تآكل تدريجي للدور الاقتصادي للمواطن الأردني في هذه المنطقة الحيوية.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين المسؤولون؟ أين الجهات الرقابية من كل هذا؟ هل غابت الرؤية الاستراتيجية للحفاظ على هوية وسط البلد كمساحة اقتصادية واجتماعية أردنية بامتياز؟ إن التراخي في تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالعمل والتجارة، وربما غياب الخطط الواضحة لدعم وتمكين الشباب الأردني في هذه القطاعات، قد أفسح المجال لهذا الوضع الذي نراه اليوم.
إن وسط البلد ليس مجرد سوق أو مجموعة محلات، إنه جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية والتراث الثقافي للأردن. السماح لهذه الظواهر بالاستفحال يعني التفريط في هذا الإرث، ويعني أيضاً حرمان شريحة كبيرة من الأردنيين من فرص عمل مستحقة في وطنهم.
آن الأوان لأن يتحرك المسؤولون، وأن يعيدوا الاعتبار لهوية وسط البلد. يجب تفعيل الرقابة بحزم، وتطبيق القوانين على المخالفين دون استثناء. الأهم من ذلك، وضع خطط واضحة لدعم المنتج الأردني والعامل الأردني، وتوفير البيئة المناسبة لهم للمنافسة والازدهار في قلب عمان. فصوت الأردنيين في وسط البلد يجب أن يبقى هو الأعلى، وهويتها الأردنية يجب أن تظل راسخة لا تتزعزع.
حفظ الله الاردن والهاشمين
نضال انور المجالي