16-06-2025 01:33 PM
بقلم : المحامي محمد رجب منسيه
شهدت الساحة القانونية والاقتصادية في الأردن مؤخرًا تحولاً مهمًا تمثّل في رفع الحماية الجزائية عن الشيك، أي أن عدم كفاية الرصيد أو عدم وجود الرصيد لم يعد يؤدي إلى الملاحقة الجزائية لمحرر الشيك.
ورغم انسجام هذا التوجه مع المعايير الدولية التي تعتبر الشيك أداة وفاء وليست ضمانًا؛ إلا أن ذلك أثار قلقًا في الأوساط التجارية، حيث بات المتعاملون يواجهون ازديادا في مخاطر عدم الفدرة على تحصيل قيمة الشيك في ظل غياب الحماية الجزائية.
على إثر ذلك برزت بعض المقترحات والحلول وكان من ضمنها مقترح يهدف إلى تمكين المستفيدين من الاستعلام المسبق عن الملاءة المالية لمحرر الشيك من خلال البنوك أو شركات الائتمان، وذلك قبل قبول الشيك. وهنا يطرح سؤال قانوني محوري:
هل يمكن إقرار هذا النوع من الحلول دون تعديل تشريعي؟
وللإجابة عن هذا السؤال، يجب الوقوف على أحكام السرية المصرفية، والقوانين الخاصة الناظمة للمعلومات الائتمانية، والدستور الأردني الذي يكفل حماية الخصوصية.
أولاً: السرية المصرفية – مبدأ راسخ ومحمي دستورياً
تُعد السرية المصرفية من أبرز المبادئ التي تحكم العلاقة بين البنوك وعملائها في الأردن، وقد كفلتها نصوص قانون البنوك الأردني رقم (28) لسنة 2000 في المادتين (72) و(73)، اللتان تنصان على:
• السرية التامة لحسابات وودائع وأمانات العملاء، وعدم جواز كشفها إلا بموافقة العميل، أو بحكم قضائي، أو في حالات محددة حصراً.
• استمرار الحظر حتى بعد انتهاء العلاقة بين العميل والبنك.
هذا الالتزام بالسرية لا يستند فقط إلى التشريعات القانونية، بل يجد أصله في الدستور الأردني، وتحديدًا في المادة (7) التي تنص على أن الحرية الشخصية مصونة، وأن كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
وعليه فإن الخصوصية المالية – بوصفها جزءًا من حرمة الحياة الخاصة – تحظى بحماية دستورية مباشرة، تجعل من المساس بها دون سند قانوني واضح انتهاكًا للحرية الشخصية.
وإن أي إفصاح عن البيانات المصرفية، بما في ذلك ملاءة محرر الشيك، دون موافقة صريحة أو سند قانوني صريح، يُعد تجاوزًا للضمانات الدستورية التي تكفل خصوصية الأفراد وحرمة حياتهم المالية.
ثانيًا: هل السرية المصرفية مطلقة، ومتى يجوز كشف المعلومات المصرفية؟
الاستثناءات في قانون البنوك (المادة 74)
حدد القانون بعض الحالات التي يُسمح فيها بكشف المعلومات، منها:
• تبادل المعلومات بين البنوك والبنك المركزي لأغراض الائتمان.
• إصدار بيان يوضح سبب رفض صرف الشيك بطلب من صاحب الحق.
• تقديم بيانات عند وجود نزاع قضائي بين العميل والبنك.
لكن هذه الاستثناءات لا تُجيز اطلاع المستفيد على الوضع المالي لمحرر الشيك مباشرة، ولا تغني عن ضرورة الحصول على موافقة خطية أو أمر قضائي.
قانون التجارة الأردني
يسمح فقط بإشارة على الشيك توضح سبب رفض الصرف (مثلاً: "الرصيد غير كافٍ")، وهذا بعد وقوع الحدث، أي أنه لا يمنح أي صلاحية للاطلاع المسبق على الملاءة المالية.
ثالثًا: المعلومات الائتمانية – قواعد صارمة للإفصاح
نظّم قانون المعلومات الائتمانية رقم (15) لسنة 2010 آلية إصدار التقارير الائتمانية، واشترط:
• الحصول على موافقة خطية مسبقة من العميل (تصريح اطلاع).
• تحديد الغرض من الحصول على التقرير (كطلب ائتمان، أو إعادة الجدولة).
• حصر تقديم هذه المعلومات للجهات المعنية فقط (كالبنوك، شركات التأمين، وغيرها بموافقة البنك المركزي).
ونصّت المادة (8) من القانون صراحةً على حظر تقديم أي معلومات دون تحقق من وجود تصريح، مما يجعل أي إفصاح مباشر لمستفيد الشيك دون إذن العميل مخالفة قانونية صريحة.
رابعًا: هل يمكن اعتماد الحل المقترح دون تعديل تشريعي؟
إن المقترح الحالي – الذي يتيح للمستفيد الاستعلام عن ملاءة محرر الشيك قبل استلامه – يصطدم مباشرة بالقوانين الخاصة السارية والناظمة والتي تحمي الخصوصية المالية.
ولذلك، فإن تنفيذه يتطلب تعديلًا تشريعيًا صريحًا، سواء في قانون المعلومات الائتمانية أو قانون البنوك، على نحو يسمح بمثل هذا النوع من الإفصاح وفق شروط محددة ودقيقة.
رؤية إصلاحية مقترحة
1. تعديل قانون المعلومات الائتمانية
يمكن إدراج نص قانوني يسمح بإصدار مؤشرات عامة غير شخصية حول الجدارة المالية، مثل:
"الحساب لا يخضع لأي تحفظات حالية"، بشرط وجود علاقة قانونية بين الطرفين وموافقة صريحة من المحرر.
2. نظام مركزي للشيكات بإشراف البنك المركزي
إطلاق نظام تصنيف ائتماني خاص بالشيكات، يتيح مؤشرات مسبقة عن سلوك محرري الشيكات، مع احترام مبدأ الخصوصية، وعلى غرار النظم المعمول بها في قوانين حماية البيانات العالمية.
التوصيات
• التعديل التشريعي هو السبيل القانوني الوحيد لإقرار خدمة الاستعلام عن الملاءة المالية.
• يجب تحديد الحالات التي يجوز فيها الإفصاح، وضوابط الموافقة، والمسؤوليات المترتبة.
• من المهم تطوير آليات بديلة قائمة على موافقة محرر الشيك، مثل تقارير ائتمانية جزئية.
• ينبغي تكثيف التوعية القانونية للقطاع التجاري بشأن واقع الشيك كأداة وفاء بعد إلغاء الحماية الجزائية.
خاتمة
إن حماية الخصوصية والبيانات المالية ليست عقبة أمام تطوير النظام المصرفي، بل هي ركيزة أساسية فيه. وإذا كان من الضروري إيجاد حلول لحماية المستفيدين بعد رفع الحماية الجزائية، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال مسار تشريعي مسؤول ومتزن، يوازن بين الحقوق الدستورية – كما وردت في المادة 7 – ومقتضيات المعاملات التجارية الآمنة.
بقلم: الأستاذ المحامي/ محمد رجب منسيه
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 01:33 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |