16-06-2025 11:26 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لن تعرف منطقة الشرق الأوسط الهدوء والأمن والاستقرار قطْ طالما بقي الكيان الصهيوني جاثماً فوق أرض فلسطين المحتلة، مدعوماً غربياً، ومُمعناً في جرائمه بدون رادع.
وما يزال «بنيامين نتنياهو» يعتقد أن الفرصة مواتية الآن لما زعمه «بتغيير وجه» الشرق الأوسط، من خلال شن العدوان على إيران، بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، ورفض الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية، والمسارعة في الاستيلاء على جبل الشيخ ومواقع عدة بالجولان السوري فور سقوط النظام السوري، في 8 ديسمبر 2024، وإعلان إنهاء اتفاق «فض الاشتباك» مع سورية لعام 1974 والسيطرة على المنطقة العازلة التي تقدر مساحتها بـ 235 كلم مربع، جراء أهميتها البالغة بالنسبة للمخطط الصهيوني التوسعي في المنطقة.
وإلى جانب الدعم الأميركي، مالاً وعتاداً وسلاحاً؛ سارعت دول غربية عديدة لإسناد الكيان المُحتل في هجومه على إيران، وفي مقدمتها ألمانيا، أسوة بموقفها من حرب غزة، فرغم الإدانات الخجولة التي صدرت عنها لجرائم الاحتلال في القطاع والمطالبة بوقفها عقب دعمها المطلق، إلا أنه من الواضح أن برلين لا تزال حبيسة العلاقة الصهيونية– النازية ولم تبرحها بعدْ، وهي علاقة وثيقة شائكة أنتجت منافع كثيرة متبادلة، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
لم تنقضِ آثار التعاون الوثيق بين الصهيونية وألمانيا النازية بنهاية النظام النازي وموت زعيمه «أدولف هتلر»، عام 1945، بل استمرت بعده، عبر تمثله فكراً وسلوكاً في الكيان المُحتل، ومن خلال ما أثمرت عنه من اتفاقية ثنائية مهمة عام 1933 أسهمت في تعزيز المشروع الصهيوني وتمهيد الأرضية لقيام «الدولة» لاحقاً في فلسطين المحتلة، وهي تفاصيل مهمة كشف عنها الكاتب والمفكر الأميركي «دوغلاس يوفان» في مقال نشره على منصة «ResearchGate» في أكتوبر 2024، وقام بترجمته مشكوراً الأستاذ الدكتور عبد الرزاق بني هاني مؤلف «معجم لسان العرب الاقتصادي» الصادر حديثاً، لما يُفسر حجم الدعم الألماني المُطلق للكيان الصهيوني والمتواصل حتى اليوم.
أطرت اتفاقية «هافارا»، التي تعد حلقة وازنة في العلاقات الصهيونية – الألمانية، أكبر عملية هجرة يهودية إلى فلسطين المحتلة في ذلك الوقت، تنظيماً وتمويلاً، حينما مكنت زهاء 50 ألف يهودي بين عامي 1933 – 1939 من مغادرة ألمانيا نحو «أرض الميعاد» المزعومة، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية واستيطانها بالقوة المسلحة عقب مصادرتها وطرد أصحابها الأصليين، مما أسهم في تعزيز المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.
أما تمويلاً؛ فقد سهلت الاتفاقية تحويل أصول اليهود في ألمانيا إلى فلسطين عبر شراء البضائع الألمانية التي تُشحن لاحقاً وتُباع للمستوطنين، وتُحول عائداتها إليهم وحدهم، بالتنسيق مع مؤسسات مالية وتجارية تابعة للحركة الصهيونية، لاسيما بنك «أنغلو – فلسطين» الذي تأسس عام 1902 لدعم مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، ولعب دوراً محورياً في تنفيذ الترتيبات المالية «لهافارا».
وبذلك؛ فإن ألمانيا النازية فتحت المجال أمام مسار تنظيمي مُنسق للهجرات اليهودية الضخمة المتعاقبة فيما بعد، واستفادت اقتصادياً إزاء الترويج لصادراتها المحلية، وساعدت أيضاً في تأسيس دعائم اقتصادية للمشروع الاستيطاني الإحلالي الاستعماري في فلسطين المحتلة، عادت بالنفع على مسار التحول الذي قاد لاحقاً لإعلان الكيان الصهيوني.
وبطبيعة حال براغماتية الحركة الصهيونية؛ فلم تكترث كثيراً للانتقادات والأصوات اليهودية المعارضة للتعاون مع النظام النازي الذي كانت تصنفه كمعادٍ للسامية، وتعتبر أن الاتفاقية تُقوض حملة المقاطعة الدولية ضده وتشكل خرقاً لمقاطعة البضائع الألمانية آنذاك. وقد أسهم هذا التغاضي عن التباينات حتى لو كانت جوهرية لأجل تحقيق مكاسب سياسية، في تعزيز التوجه الصهيوني الداعي لحصر «الخلاص» اليهودي بفلسطين، مما جهز الأرضية الخصبة لدعم المخطط الصهيوني التوسعي.
تعد اتفاقية «هافارا» أحد أشكال التواطؤ الغربي مع الصهيونية ضد الحقوق الفلسطينية والعربية، والذي أدى لإقامة كيان استعماري «وظيفي» في فلسطين المحتلة، أضحى شراً مُستطيراً على المنطقة بكاملها.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 11:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |