حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,15 يونيو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5319

الدكتور أيمن الزيود يكتب: في أيام الجامعة

الدكتور أيمن الزيود يكتب: في أيام الجامعة

الدكتور أيمن الزيود يكتب: في أيام الجامعة

14-06-2025 11:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور ايمن الزيود
في أيام الجامعة، لم أكن أملك أكثر من قميصين وكتابين ونظرة حالمة لا تتفق كثيرًا مع واقع الحياة. كنت أظن أن العالم ينتظرني عند أول منعطف، وأنني سأصير شيئًا عظيمًا بمجرد أن ألتقط أنفاسي. كنت أكتب القصص القصيرة في دفاتر الرياضيات، وأهديها إلى أستاذة الأدب التي كانت تبتسم لي كثيرًا، لكنها كانت تبتسم للجميع. ظننت أن ابتسامتها تعني شيئًا، فقررت أن أرسل لها رسالة طويلة عن الإعجاب والإلهام والغيمات الرمادية.


أستاذتي لم ترد على الرسالة، لكنها بدأت تطلب مني تسليم الواجبات في وقتها، دون أي تعليق أدبي. ثم رأيتها في أحد الأيام تخرج من الجامعة برفقة رجل أصلع في منتصف الخمسين من عمره، يفتح لها باب السيارة ويضع في يدها وردة.


قلت لنفسي: ما زلت صغيرًا، والوقت طويل، وسأكتب رواية عظيمة وستقرأها يوماً وتندم.



مضت الأعوام. كتبت عشرات الصفحات، ثم مزقتها. عملت في وظائف كثيرة، بعضها لم أفهمه حتى اليوم. صار لدي بيت صغير، ومكتبة كبيرة، وشعر أبيض يُغطي رأسي كأنه اعتذار هادئ عن كل ما لم يحدث.



ثم رأيتها صدفة في معرض كتاب. كانت تجلس على مقعد خشبي، تقرأ لحفيدها من كتاب أطفال. شعرها صار رماديًا ناعمًا، وابتسامتها... ما زالت هي. التفتت نحوي، التقت عيوننا، وابتسمت تلك الابتسامة العامة نفسها. لكن شيئًا في عينيها هذه المرة بدا مختلفًا، كأنها تذكرت، أو كأنها تظن أنها تذكرت.



اقتربت ببطء. ألقيت السلام. رفعت نظرها وقالت: وجهك ليس غريبًا... كنت أحد طلابي؟



ابتسمتُ. قلت:


"كنت أظن أنني كنت شيئًا أكثر من ذلك بقليل.


ضحكت وقالت:


آه، هذا الأسلوب... نعم، أذكر طالبًا كان يكتب كثيرًا، أكثر مما يجيب على الأسئلة.



سكتنا لحظة. نظر حفيدها لي بفضول.


قالت وهي تغلق الكتاب:


وماذا فعلت بكل تلك القصص؟

قلت:


وضعتها في أدراج العمر، وانتظرت أن يأتي من يقرأها.


قالت:


"ولم يأتِ أحد؟


قلت:


"أنتِ جئتِ، متأخرة قليلاً، لكن لا بأس.


ضحكت مرة أخرى، ضحكة ناعمة فيها شيء من الحنين وشيء من الشفقة، ثم قالت:


في بعض القصص، لا يعود الأبطال كما كانوا. لكنك كتبتها، وهذا يكفي.



ثم نهضت، وأمسكت بيد حفيدها، وهمّت بالمغادرة. وفي اللحظة الأخيرة، التفتت وقالت:


بالمناسبة... كانت الرسالة عن الغيمات الرمادية جميلة جدًا، لكنك نسيت أن تكتب اسمك.

وغادرت.

وقفت هناك، في صالة المعرض، أراقبها تبتعد، وأبتسم كأنني استلمت رسالة متأخرة جدًّا، لكنها وصلت على كل حال.



 








طباعة
  • المشاهدات: 5319
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
14-06-2025 11:50 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم