حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,24 مايو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6602

روشان الكايد يكتب: المتغيرات التي دفعت المشرّع الأردني إلى إعادة النظر في حبس المدين

روشان الكايد يكتب: المتغيرات التي دفعت المشرّع الأردني إلى إعادة النظر في حبس المدين

روشان الكايد يكتب: المتغيرات التي دفعت المشرّع الأردني إلى إعادة النظر في حبس المدين

22-05-2025 04:01 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : روشان الكايد
المتغيرات التي دفعت المشرّع الأردني إلى إعادة النظر في حبس المدين

قراءة تحليلية ..

يشكل حبس المدين في القضايا المالية والمدنية أداة قانونية لطالما استخدمها المشرّع الأردني لضمان تنفيذ الأحكام واستيفاء الحقوق .
إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً في السياسة التشريعية الأردنية تجاه هذا الإجراء، نتيجة لمجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي أظهرت الحاجة الملحة إلى إصلاحات جوهرية تراعي العدالة الإنسانية، وتوازن بين مصلحة الدائن وضمانات المدين .

أولاً: المتغيرات الاقتصادية والمعيشية

مع تزايد الأزمات الاقتصادية العالمية وتداعيات جائحة كورونا، شهد الأردن ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الفقر والبطالة، ما أدى إلى تفاقم عجز الكثير من المواطنين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية، وتزامن ذلك مع انتشار القروض الاستهلاكية وسهولة الوصول إلى الائتمان دون وجود ضمانات كافية، الأمر الذي زاد من عدد المدينين غير القادرين على السداد .
حبس هؤلاء، رغم إعسارهم، بات يشكل عبئاً على الدولة والمجتمع، ويحول دون تمكينهم من العودة إلى سوق العمل، ما دفع المشرع لإعادة النظر في جدوى الحبس كأداة تنفيذ .

ثانياً: الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية

إن حبس المدين المعسر لا يمس شخصه فحسب، بل ينعكس سلباً على أسرته، وقد يؤدي إلى تفككها وحرمان أفرادها من مصدر دخل أساسي؛ كما أن ازدياد حالات النساء المعيلات اللواتي يواجهن الحبس في قضايا مالية، أثار موجة واسعة من الانتقادات الحقوقية .

من هنا، برزت الحاجة إلى مقاربة تشريعية تراعي الكرامة الإنسانية، خاصة في حالة المدين حسن النية، وتوفر بدائل أكثر عدلاً واستدامة من الحبس .

ثالثاً: الالتزامات الدولية والمعايير الحقوقية

الأردن ملتزم بالمعاهدات الدولية، وأبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي نص في مادته (11) على أنه "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"؛ وقد واجهت الدولة انتقادات متكررة من قبل المنظمات الدولية التي اعتبرت الحبس في مثل هذه الحالات انتهاكاً للحقوق الأساسية .

استجابة لهذه الضغوط، بدأ المشرع الأردني بإجراء إصلاحات تدريجية تتماشى مع المعايير الدولية .

رابعاً: قصور الحبس كوسيلة فعالة لتحصيل الديون

من الناحية العملية، ثبت أن الحبس لا يُعد وسيلة ناجعة لتحصيل الحقوق في معظم القضايا المالية، بل إنه في كثير من الأحيان يؤدي إلى نتائج عكسية، كزيادة الدين بسبب تكاليف الحبس، وانعدام قدرة المدين على السداد وهو خلف القضبان .

لذلك، اتجه المشرع إلى تفعيل أدوات بديلة، مثل الحجز على الأموال، ومنع السفر، وجدولة السداد .

خامساً: تطور الفكر القانوني الحديث

الفكر القانوني الحديث يدعو إلى الحد من استخدام العقوبات السالبة للحرية في القضايا المدنية، ويحث على اللجوء إلى بدائل قانونية مرنة، تضمن الحفاظ على كرامة الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، دون الإضرار بحقوق الدائن .

سادساً: التكدس في مراكز الإصلاح

حبس آلاف الأشخاص على خلفية ديون مدنية ساهم في اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل، ما شكل عبئاً إدارياً ومالياً على الدولة، دون نتائج فعلية على مستوى تحصيل الحقوق، وقد باتت الحاجة ملحة لتقليل أعداد المحبوسين، وتوجيه الموارد نحو بدائل أكثر فاعلية وجدوى .

وعلينا أن نذكر هنا أن المشرع استثنى بعض الحالات بمعنى انه ابقى عقوبة الحبس عليها مثل، ديون الحقوق العمالية والديون الناتجة عن عقود الإيجار، والديون الثابتة بموجب حكم قضائي نهائي، وديون النفقة والمهر، مع بعض الاستثناءات مثل اذا كان المدين معسراً بموجب قرار قضائي او مريض بمرض لا يحتمل معه الحبس_ بموجب تقرير طبي رسمي _ أو كان تحت سن ١٨ عاماً أو من فئات محمية قانوناً، مثل موظفي الدولة أو في حالات قرابة معينة أو إذا كان المدين أنثى حامل، أو ام لطفل دون السنتين .

ختاماً..

إن توجه المشرع الأردني نحو تقليص حالات حبس المدين، يعكس فهماً متقدماً للتوازن المطلوب بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة ويمثل تحولاً في فلسفة التنفيذ المدني ، وهي خطوة ضرورية نحو نظام قضائي أكثر عدالة ومرونة، يحقق حماية الدائن، ويحترم إنسانية المدين، ويعزز ثقة المجتمع في العدالة الناجزة .

#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي











طباعة
  • المشاهدات: 6602
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-05-2025 04:01 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة المياه والري بقيادة الوزير المهندس رائد أبو السعود؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم