08-05-2025 09:48 AM
بقلم : م. احمد يوسف الشديفات
زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، إلى اليابان، قد تبدو للوهلة الأولى خطوة دبلوماسية معتادة، لكنها في واقع الأمر تحمل أبعادًا أعمق بكثير. بالنسبة لي كمختص في الأمن السيبراني ومتابع للملف الرقمي على المستوى الوطني، لم تكن مجرد زيارة، بل مؤشر واضح على أن الأردن بدأ يضع قدمه على طريق جديد، تتداخل فيه السياسة بالتكنولوجيا، والتعاون الدولي بالأمن الوطني.
توقيت الزيارة لم يكن عابرًا. اليابان تتحضّر لاحتضان إكسبو 2025 في أوساكا، والأردن يشارك فيه برسالة واضحة: نحن هنا، لسنا فقط في الهامش، بل في قلب النقاش العالمي حول مستقبل التقنية، الذكاء الاصطناعي، وأمن الفضاء الرقمي. وجود سمو ولي العهد هناك لم يكن مجرد تمثيل رسمي، بل تموضع استراتيجي.
اليابان، الدولة التي تحوّلت من رماد الحرب إلى قوة تقنية عظمى، تملك الكثير مما يمكن أن نستفيد منه. ليس فقط على مستوى الأجهزة أو الأنظمة، بل على مستوى التفكير. التفكير في كيف تبني أمنك الرقمي، كيف تُدرّب كوادر بشرية قادرة على التعامل مع تهديدات غير مرئية، وكيف تضع سياسات ذكية دون أن تنجرّ وراء ردود الفعل اللحظية.
الأردن قطع شوطًا محترمًا، وهذا واضح من قفزته في مؤشر الأمن السيبراني العالمي. لكن التحدي الآن ليس فقط أن نحافظ على هذا التقدم، بل أن نبني عليه، ونحوّله إلى واقع مؤسسي داخلي. لا يكفي أن نشتري التكنولوجيا أو نوقّع الاتفاقيات؛ يجب أن نفهمها، نُطوّعها، ونخلق بها قيمة حقيقية للناس والمؤسسات.
الجميل في هذه الزيارة أنها خرجت من إطار “المجاملات الدولية”. اللقاءات التي عُقدت، المحاور التي طُرحت، والمجالات التي تم التركيز عليها، تدل على وعي رسمي بأن المستقبل ليس للذي يملك أكثر سلاح، بل للذي يملك رؤية وسيادة رقمية.
اليوم، عندما نتحدث عن الأمن السيبراني، نحن لا نتحدث عن رفاهية أو مجال تقني نخبوي. نحن نتحدث عن البنوك، المستشفيات، شبكات الكهرباء، التعليم، بل حتى ثقة المواطن بدولته. لهذا السبب، هذه الزيارة يجب أن تُترجم إلى ملفات واضحة، وشراكات تُبنى على الكفاءة لا البروتوكول
من هنا، أدعو إلى تشكيل مجلس سيادي للأمن السيبراني، يجمع بين صناع القرار والخبراء، ويعمل على توجيه بوصلة التحول الرقمي نحو حماية المصالح العليا للدولة. وأرى أن اليابان يمكن أن تكون شريكًا في بلورة هذا المسار، عبر التدريب، وتطوير السياسات، وإنشاء مراكز أبحاث مشتركة، تُغذّي القرارات الوطنية برؤية علمية ناضجة.
ختامًا، فإن زيارة سمو ولي العهد إلى طوكيو تحمل رسالة واضحة: الأردن لا يكتفي بمواكبة العالم، بل يسعى لصياغة مكانة فاعلة في معارك المستقبل. معارك تُخاض بالذكاء الاصطناعي، والسياسات السيبرانية، وتكامل الإنسان مع الآلة. وهي رسالة تلهمنا - كأبناء لهذا الوطن - أن نرتقي بخططنا، ونفكر بأدوات الغد، لا بعقلية الأمس.
م. احمد يوسف الشديفات
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-05-2025 09:48 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |