بقلم : أيمن عبد الحميد الوريدات
في اللّحظة الّتي تتجاوز فيها مجمّع الدوائر القديم في الزرقاء بعشرات الأمتار تكون قد وصلت إلى الوسط التّجاريّ للمدينة، هناك ستبدأ رحلتك المُمتعة؛ فأنتَ في حضرة الجمال والروعة وسِحْر المعروضات والأصوات والبساطة، أنت في الزرقاء!

على يمينك تماما ستنظرُ إلى أقدم وأعرق المطاعم الشعبيّة للمدينة مطعم ( أبو أكرم)، وإنْ كنتَ لم تتناول فطورك فتجلس على قارعة الطريق وتتناول الحمص والفول وتوابعهما، ثم تحتسي الشاي، وإن سرت بطريق مستقيمة عشرات الأمتار كذلك فسوف تصل إلى سوق الملابس القديمة ( البالة) الذي يؤمّه المئات يوميا ليشتروا ملابس ذات ماركات عالمية بأسعار زهيدة، وستعود للخلف لتعبر الشارع الرئيس لتبدأ هذه الرحلة تاركًا مخيم الزرقاء خلفك، محلات العصائر الطبيعية ( الكوكتيل) صارت أمامك، وروائح الفاكهة الزّكية داعبت أنفك، وسرقتْ ناظريك، فقطوف الموز متدلية ومعروضة بطريقة فنيّة، تُحيط بها حبّات طازجة من البرتقال والتفّاح والمانجا، وتتناثر بينها الفراولة لإثبات وجودها، وينادي عليك البائعون " تفضّل، طازة، نعنعش..."، فوق هذه المحلات تربضُ أعرق وأقدم مقاهي المدينة قهوة الروشة، وفيها العشرات من سكّان الزرقاء وساكنيها، ومرتادو هذه القهوة من كافة فئات المجتمع، وإن جلست على بلكون القهوة ستشرف على شوارع المدينة فتأسرك حركة المارة في السوق، بعدها لا بدّ من أنْ تُعرّج على شارع الأمير شاكر قلب الزرقاء النابض، قلبها الذي لا يتوقف ليل نهار، شارع يعجّ بالمارّة الّذين توافدوا من كلّ أحياء الزرقاء والقرى المُحيطة بها، التّجار في هذا الشارع يعرضون بضاعتهم بفنّ، وينادون عليها بِطرب، فمحلّات الفواكه والخضراوات تعرض كلّ صنف ونوع، ومحلّات الدجاج والكبدة والملاحم، وبعض المطاعم الشعبية وأهمّها مطعم ( شاتيلا) الذي لا يبيع إلا سندويشة الفلافل فقط،، خلف هذا المطعم سوق الخضار ( الحسبة) حيث تُعرض الخضراوات والفواكه بطريقة ساحرة وينادي البائعون بأسلوب جاذب، وفي هذا السوق بعض الملاحم، وغير بعيد فسوق الحميدية الذي كان للملابس فتحوّل بقدرة قادر لبيع العصافير والقطط والحيوانات الأليفة، وستمر به مرغما إذا كان أطفالك برفقتك، وعلى أطرافه سترى بعض النساء القادمات من ضواحي الزرقاء يجلسن على بسطات مُختصة ببيع ورق العنب، واللبنة والجميد والجبنة والبيض البلدي وغيرها، وهي مُنتجات بيتية، فما إن تخرج من سوق الخضار عائدا إلى شارع شاكر حيث الحركة التي لا تهدأ ولا تقرّ، هناك لا بدّ من زيارتك لأشهر وأقدم محلّ لبيع العوّامة والهريسة وأصابع زينب محلّ ( الأهرام) وهو فعلا هرم في مِهنته وصنعته، فتقف في الطابور لتشتري فترى العوامة وهي تعوم في مقلاة الزيت كأنها كرات ذهب، ويقابله بالضبط ( الشرق) أشهر محلات بيع التمر الهندي واللّيمون، ويحمل فعلا عبق الشرق، في ظهر هذه المحلات يوجد سوق الحجّاوي المختصّ بالستائر والحرامات والقطنيات وتوابعها، هُنا تكون قد وصلتَ إلى منتصف شارع الأمير شاكر، فإن اخترت التوجّه يسارا ستقابلك محلّات بيع التمور والستائر ومحلات الخردوات، وستكون أمام أعرق مساجد المدينة وأقدمها جامع عمر بن الخطّاب، وغير بعيد عنه جامع الشيشان فتصلي فرضك في أحدهما وتمضي في طريقك، لتمر من خلال الزقاق والأسواق الضيقة مثل سوق السّمان، والشافعي وأحياد لتصل حينها إلى أكثر الشوارع ازدحاما شارع الملك عبد الله، فتسحرك وتأسركِ محلات بيع الملابس النسائية وملابس الأطفال فيه، لتكون حينها أمام الجزء الثاني من شارع شاكر، حيث يقابلك محلّ ( ماما هيّو بسّام) أقدم محلات بيع الملابس في الزرقاء، وستعرّج حتما على محلّات بيع الكنافة الشهية، وبعض المحامص ومطاحن البُن فتدغدغ رائحة القهوة أنفك، وسترى النساء وهنّ يدخلن ويخرجن من محلات صياغة الذهب، وبعضهن عرائس يُجهزنّ للعرس القريب بفرح، في كلّ هذه الشوارع سوف تشاهد وجوها تملؤها الحياة، يقابلونك بابتسامة بسبب ودون سبب، وسوف تُعجبك بسطات بائعي الذُرة والكستناء واللوز الأخضر والكرز والحمص الأخضر وجيلي الأطفال، والبالونات، وسوف يدعوك البائعون لدخول محلاتهم بقولهم:" تفضل خذ فكرة"، وتتفرّع من هذا الشارع عروق أخرى فيها محلات لبيع البذورة والشتلات والتبغ المجفف وسواها، وسوف تمضي بك الطريق وصولا إلى الشارع لتجد نفسك أمام أعرق كنائس المدينة فتأسرك ببنائها فتقف متأملا، وقد تسمع أجراسها تصدح، تمرّ في هذا الشارع لتصل إلى أقدم محلات الخياطة الرجالية، ومحلات بيع المستلزمات الرجالية من الشماغات والعقالات والأثواب بكل الأنواع والألوان، ويجاورها محلات الخياطة العسكرية ومستلزماتها، وحتما هنا ستكون قد وصلتَ إلى مكتبة وكالة الرأي العريقة وقد تتصفّح بعض الكتب أو الجرائد اليومية المعروضة أمامها، حينها ستجد نفسك أيضا أمام أعرق وألذ محلّ لبيع العصير الطبيعي ( كوكتيل الجامعة)، أنت الآن أمام المجمّع القديم حيث الحياة الصاخبة والحركة التي لا تتوقف فسترى حافلات وأناسا راجلين نحوها عائدين إلى بيوتهم أو متوجّهين إلى أعمالهم، خذ بالك، إن التففتَ يسارا ستجدّ نفسك في شارع الزرقاء الخالد، الشارع ذي الشهرة الواسعة في الأردن أنت الآن في شارع ( السعادة) فقف لتاريخه احتراما، الشارع الذي زاره الزرقاويون وسوى الزرقاويين، شارع المحبة والحياة، الشارع الذي لا تجدّ فيه أحيانا وخاصة في المناسبات والأعياد وأيام الخميس، لا تجدّ فيه موطئ قدم، الشارع الذي يعجّ بالحياة، تملؤه المعروضات تسير فيه وتذرعه مرارا وتكرارا دون ملل، ففي كلّ مرة تشعر بأنّ فيه جديد.
بهذا تكون قد أخذت لفّة وفكرة عن الوسط التجاري في الزرقاء، وقد أنهيت رحلتك الممتعة، التي سوف تُكررها كلما أتيح لك هذا، ننتظرك في الزرقاء.