12-10-2024 09:50 AM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
(قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ... ) هذا كلام جديد في بداية الدعوة الإسلامية يخاطب به محمد عليه السلام خُذُوني أُسْوة، فأنا لست ملَكاً إنما أنا بشر مثلكم، وحملتُ نفسي على المنهج الذي أطالبكم به، فأنا لا آمركم بشيء وأنا عنه بنجْوَى. بل بالعكس كان عليه السلام أقلَّ الناس حَظّاً من مُتَعِ الحياة وزينتها. فكان في المؤمنين به الأغنياء الذين يتمتعون بأطايب الطعام ويرتدُونَ أغْلى الثياب في حين كان عليه السلام يمر عليه الشهر والشهران دون أنْ يُوقَد في بيته نار لطعام قط، وكان يرتدي الثياب المرقعة، كما أن أولاده لا يرثونه، كما يرث باقي الناس ،حتى المتاصب، ولا تحل لهم الزكاة كغيرهم، فحُرِموا من حَقٍّ تمتع به الآخرون. لذلك كان عليه السلام أدنى الأسوات أي: أقل الموجودين في مُتع الحياة وزُخْرفها، وهذا يلفتنا إلى أن الرسالة لم تُجْرِ لمحمد نفعاً دنيوياً، ولم تُميِّزه عن غيره في زَهْرة الدنيا الفانية، إنما مَيَّزتْه في القيم والفضائل. ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول: " يرد عليَّ - يعني من الأعلى - فأقول: أنا لست مثلكم، ويؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم ". والآية هنا لا تميزه عليه السلام وسلم عن البشر إلا في أنه: { يُوحَىٰ إِلَيَّ} فما زاد محمد عن البشر إلا أنه يُوحَى إليه. ثم يقول تعالى: { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} أنما: أداة قَصْر { إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} أي: لا إله غيره، وهذه قِمَّة المسائل، فلا تلتفتوا إلى إله غيره، ومن أعظم نعم الله على الإنسان أنْ يكونَ له إله واحد، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً ليوضح لنا هذه المسألة فقال تعالى:{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فلا يستوي عبد مملوك لعدة أسياد يتجاذبونه لأنهم متشاكسون ومختلفون يَحَارُ فيما بينهم، إنْ أرضي هذا سخط ذاك. هل يستوي وعبد مملوك لسيد واحد؟ إذن: فمما يُحمَد الله عليه أنه إله واحد{ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ} الناس يعملون الخير لغايات رسمها الله لهم في الجزاء، ومن هذه الغايات الجنة ونعيمها، لكن هذه الآية تُوضّح لنا غاية أَسْمى من الجنة ونعيمها، هي لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم، فقوله تعالى: { يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ} تصرف النظر عن النعمة إلى المنعم تبارك وتعالى. فمن أراد لقاء ربه لا مُجرَّد جزائه في الآخرة: { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} فهذه هي الوسيلة إلى لقاء الله لأن العمل الصالح دليل على أنك احترمتَ أمر الآمر بالعمل، ووثقتَ من حكمته ومن حُبِّه لك فارتاحتْ نفسك في ظلِّ طاعته، فإذا بك إذا أويْتَ إلى فراشك تستعرض شريط أعمالك، فلا تجد إلا خيراً تسعَدُ به نفسك، وينشرح له صدرك، ولا تتوجَّس شراً من أحد، ولا تخاف عاقبة أمر لا تُحمَدُ عقباه، فمَنِ الذي أنعم عليك بكل هذه النعم ووفَّقك لها؟ ثم: { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } فلا تشرك بعبادة الله شيئاً، ولو كان هذا الشيء هو الجنة، فعليك أنْ تسموَ بغاياتك، لا إلى الجنة بل إلى لقاء ربها وخالقها والمنعِم بها عليك، فلا تلتفت لغيره (وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ).،(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) إذا فارقت شيئاً فغادره بروحك وبصرك وذكرياتك. الالتفات يجدد مواجعك ولا يعيد فائتاً. ولهذا كانت مناسبة الأمر للوط -عليه السلام-وأهله بترك الالتفات ظاهرة في ذلك الموقف فهي دعوة للإمعان في القصد إلى مغادرة القرية، والنجاة بالنفوس أن يصيبها ما أصاب قوم السوء الفاسقين.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-10-2024 09:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |