18-06-2025 12:08 PM
بقلم : د. خالد السليمي
منذ أن اندلعت شرارة الحرب الإيرانية الإسرائيلية في 10 حزيران 2025، انكشف المشهد الحقيقي لمنظومة الهيمنة الغربية، فبريطانيا الاستعمارية، وأمريكا راعية الإرهاب في العالم، وإسرائيل المجرمة، لم تكتفِ بإشعال الحرب، بل طالبت دولاً عربية بالحياد، بينما تريد استباحة أجوائها لعبور طيرانها الحربي! إنها لحظة مفصلية تكشف أن الحياد، كما يُراد لنا، ليس سوى قيد استراتيجي لصالح المعتدي، هذا المقال يسلط الضوء على خيوط اللعبة الخفية، ويفضح التناقضات المُدمرة، ويدعو القادة العسكريين والسياسيين وصناع القرار إلى وقفة سيادية حقيقية، تحفظ السيادة وتصون الكرامة، وتضع حداً لاستخدام أراضي العرب كمنصات لإبادة الآخرين.
الحرب التي فُرضت قسراً: منازلة إيران وإسرائيل تخرج من الظل
منذ العاشر من حزيران 2025، اندلع رسمياً ما كان يُحاك في الظل لسنوات: مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل، لم تعُد تُدار بالوكلاء ولا بالرسائل الغامضة عبر الصواريخ أو الطائرات المسيرة، إنها حرب خرجت من الصندوق، تمزّق جدران الصمت الدبلوماسي وتنذر بتغيير جذري في موازين القوى الإقليمية، لكن ما يثير الصدمة ليس مجرد انفجار الصراع، بل ما رافقه من خطاب استعماري صريح من قوى الغرب، بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة، تطالب فيه دولاً كالعراق وسوريا ولبنان بالحياد، بينما تريد فتح أجوائها لطيرانها العسكري في استباحة وقحة للسيادة.
خطاب النفاق الغربي: الحياد ممنوع، والطيران مباح!
ما تطلبه بريطانيا وأمريكا من دول المشرق العربي يكشف وجهاً جديداً قديماً للاستعمار: اصمت، ولا تتدخل، ولا تعترض، ولكن افتح لنا سماءك ومطاراتك، لنعبر، نقصف، وننفذ مخططاتنا، الحياد هنا ليس موقفاً سيادياً، بل قيداً أمنياً، يراد منه أن تبقى شعوب المنطقة مجرد ضحايا لحروب الآخرين، هذا النفاق الغربي يفضح تناقضاً استراتيجياً صارخاً، يضع الدول العربية أمام امتحان وطني: إما أن ترفض أن تكون ممراً للطائرات المجرمة، أو تتحول عنوةً إلى أدواتٍ في معركة لا قرار لها فيها.
العراق وسوريا ولبنان: الحلقات الأضعف في المخطط الغربي
العراق المنهك سياسياً، وسوريا الجريحة بعد حربٍ عقدية، ولبنان الغارق في فوضى اقتصادية وسياسية، تجد نفسها اليوم مطالبَة من قبل القوى الغربية بأن تُبقي أراضيها وسمائها مفتوحة لعبور الطائرات الاستعمارية نحو إيران، وكأن المطلوب من هذه الدول ألا تنحاز إلى ذاتها، بل أن تظل رهينة للقرارات الغربية، إن استباحة الأجواء والحدود لا تقل خطراً عن احتلال مباشر، بل هي إعادة إنتاج للاستعمار، ولكن بأدوات تكنولوجية ومصطلحات حديثة، كالتحالف، والردع، ومكافحة "التهديدات المشتركة".
الأردن وصناع القرار: الحذر واجب والموقف السيادي ضرورة
في هذا المشهد المتفجر، يأتي دور الأردن كدولة محورية، ذات موقع استراتيجي حساس، إنّ كل تحليق لطائرات الحلفاء فوق أي مجال عربي، دون إذن وطني حرّ، هو خرق للكرامة والسيادة، وعلى القيادة الأردنية أن تدرك أن الحياد لا يعني الصمت ولا الخضوع، بل موقفاً وطنياً مستقلاً يرفض استخدام الأراضي الأردنية منصة لحرب لا تخدم المصلحة الأردنية ولا العربية، ما يحدث اليوم هو لحظة اختبار للدولة الأردنية في مدى قدرتها على صون استقلال قرارها في وجه الضغط الدولي العنيف.
أمريكا وإسرائيل: إرهاب استراتيجي معلن بأدوات الشرعية الدولية
الولايات المتحدة لا تخوض حرباً من أجل القيم، كما تدّعي، بل من أجل التفوق والهيمنة، أما إسرائيل، فتخوض حربها من منطق البقاء العدواني، الذي يُجيز لها كل الوسائل، حتى لو أدّى إلى انهيار دول بأكملها، هذا الإرهاب المنظم الذي تمارسه واشنطن وتل أبيب لم يعُد سراً، بل صار سياسة رسمية، تنفَّذ بأذرع جوية عبر أجواء دول مغلوبة على أمرها، ومتى سمح العرب بمرور هذه الطائرات، فإنهم يشاركون، ولو عن غير قصد، في مشروع تدمير الذات العربية.
الخداع البريطاني: تاريخ من الاحتلال يتجدد بالأساليب الناعمة
بريطانيا، التي خلقت الكيان الصهيوني ببيان بلفور، عادت لتكمل المشروع بمظهر الحليف الذكي، القادر على توجيه المعركة من بعيد، لكنها لم تتغيّر، فطائراتها اليوم تعبر من فوق سماء العراق أو شرق المتوسط بذات الروح الاستعمارية التي كانت تغزو بها بغداد ودمشق، إن حياد الشعوب لا يعني موت ذاكرتها، والتاريخ يقول بوضوح: كل استباحة تبدأ بالأجواء، تنتهي باحتلال القرار، إن لم يُقاوَم سياسياً وشعبياً وإعلامياً.
الحياد الوطني لا يعني الانبطاح الاستراتيجي
الحياد السياسي موقف مشروع، لكنه لا يعني التخاذل أو السماح بانتهاك السيادة، فمن غير المقبول أن تطالبنا قوى الحرب بالصمت في حين تقتل أشقاء وجيران لنا في سوريا وفلسطين والعراق والبنان واليمن والسودان وليبيا والصومال وغيرها من الدول العربية والان ايران، وتُستباح أجواءنا لقصفها، ثم نُلام لاحقاً إن ارتدّ لهيب الحرب على أراضينا، آن الأوان لصياغة تعريف جديد للحياد العربي: حيادٌ لا يُفرّط بالكرامة، ولا يُساوم على السيادة، ولا يسمح بأن نكون جسور عبور للعدوان، فإما أن تكون السيادة حقيقية، أو أن نتحول جميعاً إلى دمى في مسرح الإمبراطورية.
صمت الشعوب العربية… هل هو خضوع أم هدوء ما قبل العاصفة؟
في غياب موقف رسمي موحّد، يبرز صمت الشعوب، لكنه ليس صمت خضوع، بل صمت وعي، يسبق الانفجار، فالشعوب باتت تدرك أن ما يُحاك في سماء بغداد ودمشق وبيروت لا علاقة له بأمنها، بل بمصالح الآخرين، وإنّ أي لحظة وعي شعبي كفيلة بتحريك معادلات الأرض، فالمطارات لا تقل أهمية عن ميادين القتال، والمواقف السياسية لا تقل عن القذائف تأثيراً، والآتي قد يكون مختلفاً تماماً إن خرجت الشعوب من صمتها، وأعادت تعريف الكرامة والسيادة والاستقلال على طريقتها.
الخلاصة: الطائرات التي تعبر الأجواء تحمل أكثر من قنابل
هذه الحرب الإيرانية-الإسرائيلية ليست معركة بين عدوين تقليديين فحسب، بل لحظة غربلة تاريخية للعرب: هل يبقون هامشيين، أم يقررون مصيرهم؟ الطائرات التي تعبر سماء العرب لا تُلقي قنابل فقط، بل تُسقط مع كل قذيفة جزءاً من كرامة مستباحة، وسيادة منتهكة، وذاكرة يجب أن تُستعاد، لم تعُد الأوطان تُحتل بالدبابات وحدها، بل تُصادر من خلال السماح للطائرات بأن تمر باسم "التحالف".
التوصيات:
على الحكومات العربية، خاصة العراق وسوريا ولبنان، إصدار مواقف رسمية تُحرِّم مرور أي طيران عسكري على أراضيها دون موافقة وطنية.
ضرورة دعوة البرلمان العربي لاجتماع طارئ لصياغة موقف عربي موحد تجاه استخدام الأجواء العربية في الحروب الإقليمية.
تفعيل المقاومة الإعلامية والشعبية الرافضة لتحويل البلدان إلى ممرات للطيران المجرم، عبر منصات الوعي والضغط الدبلوماسي.
مُطالبة جامعة الدول العربية باتخاذ موقف صارم ضد الانتهاكات الجوية من قبل أي طرف خارجي.
تشجيع النخب السياسية والعسكرية الأردنية على صياغة موقف سيادي مستقل يحمي المصالح الوطنية أولاً.
اللجوء الى المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية لفضح هذه الانتهاكات وطلب اجتماعات عاجلة لمجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة لفضح هذه الممارسات.
رفع قضية مشتركة الى محكمة العدل الدولية لانتهاك هذه الدول الاستعمارية الحديثة لسيادة أراضي ذات سيادة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-06-2025 12:08 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |