16-06-2025 01:13 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
أوضحت الدولة الأردنية موقفها من العدوان الإسرائيلي على إيران بوضوحٍ شديد، من خلال تصريحات جلالة الملك التي أدانت العدوان، ومن خلال الخارجية الأردنية، فالأردن دولة تقع على حدّ السيف، وليس من مصلحتها أن تكون طرفًا في حربٍ ليست حربها، خاصةً في ظل تحالفاتٍ وموازين قوى شديدة التعقيد، ولئن اختلف الموقف الشعبي عن الموقف الرسمي، فإنّ هذا من الطبيعي جدًا، باعتبار أنّ المواقف الشعبية عادةً ما تستند إلى العاطفة، بينما يتكّئ الموقف الرسمي على فكرة المصالح العليا التي تضع العواطف جانبًا، وتفكّر بعقل الدولة التي تحمي حدودها وشعبها وترعى مصالحهما.
من حق الأردن السيادي والطبيعي أن يحمي حدوده الجويّة، وأن لا تكون سماؤه ممرًا لصواريخ وطائراتٍ ومسيّراتٍ ربما تفقد قدرتها على الوصول إلى أهدافها، أو تضلّ طريقها فتسقط داخل حدوده على الناس الآمنين، أو تعترضها صواريخ الطرف الآخر فتسقط أيضًا على رؤوس الناس في حرب استعراض قدراتٍ لم يكن للحظةٍ طرفًا فيها.
الأصوات التي تعلو هنا وهناك، والتي تعيبُ على الأردن اعتراض الصواريخ التي تمر في سمائه، يتناسى أصحابها أنّ سماء بلادهم مخترقة، وأنّ مجالها الجويّ مستباح، وأنّها لو بقيت إلى يوم القيامة لما قدّمت لفلسطين عُشر ما قدّمه ويُقدّمه الأردن شعبًا وقيادة.
ربما يتناسى هؤلاء أو يتجاهلون فكرة أنّ الأردني (مؤدّب)، حتى في الردود على الشتائم والاتهامات الباطلة التي لم يسلم منها من الأشقّاء والأصدقاء على مدار تاريخ وجوده، ولو أراد الأردني فتح ملفات كل بلدٍ لما تجرأ أحدٌ على رمي الأردن بما ليس فيه، فالأردن لم يكن أول من وقّع الاتفاقيات، ولم يهرول إليه هرولة الآخرين، والجيش العربي الأردني آخر من خرج من فلسطين بعد أن تركوه وحيدًا وقالوا له ما قال قوم موسى (اذهب أنت وربّك فقاتلا)، والأردن الرسمي والشعبي لا يتركُ فرصةً إلّا ويغتنمها ضمن القدرات المتاحة لإيصال الإغاثة للأهل في فلسطين وغزّة، ولكنّ البعض للأسف (وحتى من بعض أبنائه ممن هم فيه يعيشون ويعملون ويتمتّعون بكامل حقوقهم) ما يزالون يتعاملون معه كخبز الشعير (مأكولٌ مذموم).
لم نعد في حاجةٍ إلى المزيد من جلد الذات المازوشي، ولسنا بحاجةٍ إلى تعظيم أفعال الغير البسيطة والالتفات عن أفعالنا الكبيرة، ولسنا مطالبين بفعل ما يتجاوز قدراتنا مهما كانت المبررات والحجج، فحتّى الخالق لم يكلّف نفسًا إلّا وسعها، وليس مطلوبًا منها أكثر من طاقتها وقدرتها.
أمّا ما يحدث اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يشبه كثيرًا ما حدث بالأمس في سورية، إذ انقسمنا إلى صفيّن ولم نسمح للثالث حتى بالتعبير عن رأيه، وصار مطلوبًا أن تقف هنا أو هناك دون خيارات وإلّا فتهمتك جاهزة، وشتيمتك بين عينيك على صفحات الأصدقاء الذين مع والذين ضد.
المواقف التي تبنى على العاطفة تذوب سريعًا، تتلاشى مع تلاشي الحدث، ويقع أصحاب الطرف الخاطئ في مواقف محرجة بعد أن يكونوا قد خسروا الكثير من أنفسهم وأصدقائهم، أمّا المواقف المبنيّة على تحليلات ذهنية ومبادئ واضحة فإنّها تظلّ في دائرة الاحترام حتى لو تبيّن لأصحابها بعد ذلك أنّهم كانوا على خطأ.
دعونا لا نستبق الأحداث في شؤون غيرنا، ولا نخسر أنفسنا وبعضنا في ضبابٍ لا يمكننا من رؤية الصورة بوضوح، ولننتظر الغد، فالغد قريب والأيام دائمًا حبالى بما لا نعلم، ولننظر بقلبٍ صادق وبصيرةٍ متفتّحة إلى وطننا الذي يستحق أن نحرسه بأهداب العين، وأن ندافع عنه في وجه كل حاقد أو مأجور، فأوان الصمت قد ولّى.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-06-2025 01:13 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |