11-06-2025 10:26 AM
بقلم : بهاء الدين المعايطة
في الوقت الذي يواصل فيه الوطن مسيرته بثبات رغم التحديات الاقتصادية والضغوط الخارجية، نجد بعض الأحزاب السياسية قد تخلّت عن دورها الوطني البنّاء، واتجهت إلى مسارات لا تختلف كثيرًا في تأثيرها وخطابها عن التنظيمات المحظورة دوليًا. فقد أصبح وجود بعض هذه الأحزاب مرتبطًا بخطاب عدائي يستهدف تقويض الشأن العام والطعن في الدولة ومؤسساتها، بدلًا من تقديم رؤى أو برامج تساهم في التنمية والاستقرار.
والمؤسف أن هذه الممارسات تأتي في ظل قيادة حكيمة تتميز بقراراتها المتزنة ومواقفها الإنسانية التي حازت احترام الداخل والخارج، قيادة وضعت الإنسان في صلب أولوياتها، وسعت إلى حماية الوطن دون أن تتخلى عن مبادئها الأخلاقية.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري على كل مواطن غيور أن يميّز بين العمل السياسي المسؤول الذي يسهم في بناء الدولة، وبين أولئك الذين يتخذون من الحريات ستارًا لبث الفتنة وزرع الشكوك وزعزعة الاستقرار. فالوطن لا يحتمل مزيدًا من العبث، ولا يحتاج إلى معارضة مشوّهة تسعى للنيل من الإنجازات والتقليل من شأن كل ما يتحقق.
وإن الحفاظ على تماسك الدولة، ودعم قيادتها التي أثبتت التزامها بالوطن والإنسان، مسؤولية جماعية. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا من خلال وعي وطني راسخ، ووقوف حازم في وجه كل محاولات استهداف وحدتنا أو المساس بهيبتنا الوطنية. فلنُكمل المسيرة بثقة، ولندافع عن وطننا ضد كل من يحاول أن يعبث بمستقبله أو يشوه صورته.
الوطن اليوم هو الأم التي لا تزال تمنحنا الأمان، في وقت أصبح فيه الأمان مفقودًا في كثير من دول العالم.
ومن المؤسف أن نرى بعض الأحزاب تستغل العلاقات الدولية كورقة للهجوم على الدولة، وتستخدمها كأداة للنيل من استقرار الوطن ومكانته. لا أعلم ما الذي يُراد تحقيقه من هذا المسار، وما الغاية الحقيقية وراء هذا السلوك، لكن من المؤكد أنه لا يصب في مصلحة أحد.
ولا أنكر أن الأوضاع الاقتصادية صعبة، وأن كثيرًا من الناس يعانون ويشكون من قسوة الظروف، وهذه حقائق لا يمكن التغافل عنها. لكن السؤال هنا: ما العمل؟ هل يكون الحل بإفساد الدولة؟ هل نهدم البيت الذي يؤوينا، فقط لأننا نمر بمرحلة صعبة؟
الدولة هي الأم، وإذا سقطت، سيسقط الجميع معها. لا تظن أن تدمير الدولة – حتى بالكلمات – مكسب أو إنجاز. فالثمن سيكون فادحًا، وسيدفعه الجميع، دون استثناء.
جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، لم يتوقف في خطاباته ولقاءاته عن التأكيد على أهمية الانخراط في الحياة السياسية، وضرورة تفعيل دور الشباب في صنع القرار والمشاركة الفاعلة في رسم ملامح المستقبل. وقد استجبنا لتلك الدعوة الصادقة، ساعين لتحقيق رؤى سيد البلاد، وإحياء العمل السياسي القائم على المسؤولية والوعي.
لكن، للأسف، لم نجد في بعض الأحزاب من يمثل طموحاتنا، ولا في برامجها ما يستحق التوقف عنده أو الرهان عليه. فبدلًا من أن تكون هذه الأحزاب منصات وطنية تعبّر عن هموم الناس وتطلعاتهم، أصبحت في كثير من الأحيان كيانات شكلية، تفتقر إلى العمق والرؤية.
اليوم، أدركنا أن الأحزاب الحقيقية هي مؤسسات الدولة الراسخة، وهي البيوت التي يُربّى فيها الأبناء على حب الوطن والانتماء إليه منذ نشأتهم. الأحزاب ليست شعارات تُرفع، بل وعي يُزرع، ومسؤولية تُمارس، ونهج يتجذر في القيم، لا في الصراخ والخطابات الجوفاء.
من هنا، فإننا لا نرفض فكرة الأحزاب بحد ذاتها، بل نرفض أن تُختزل في مصالح ضيقة وأجندات لا تعكس وجع المواطن ولا تعبر عن نبض الوطن. نريد أحزابًا تنشأ من الناس، وتكبر بهم، وتتحدث بلغتهم، وتطرح برامج واقعية قابلة للتنفيذ، لا مجرد وعود فضفاضة وشعارات مستهلكة.
وإن بناء الحياة السياسية التي دعا إليها جلالة الملك يتطلب إعادة تعريف دور الحزب، وتطوير بنيته الفكرية والتنظيمية، وربطه بالمدرسة والجامعة والبيت والشارع، ليكون انعكاسًا حقيقيًا لهوية المجتمع، لا كيانًا منفصلًا عنه.
فالوطن لا يحتاج مزيدًا من الأحزاب، بل يحتاج حزبًا واحدًا مشتركًا بيننا جميعًا، اسمه "الأردن"، تكون بوصلته مصلحة الوطن، وأداته الحوار، وهدفه البناء.
ولن يتحقق هذا إلا إذا آمنّا بأن المواطنة مسؤولية، وبأن المشاركة السياسية ليست ترفًا، بل واجب، وبأن حماية الدولة لا تعني الصمت، بل تعني أن نعلو بصوتنا عندما نرى انحرافًا، وأن نحافظ على مؤسساتنا لأنها الحصن الأخير الذي يقينا من الفوضى والانهيار.
تلفتني دائمًا لقاءات سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، حفظه الله. ورغم أنني لم أكن حاضرًا بشكل مباشر، إلا أنني كنت متابعًا باهتمام لكل ما يخطو به سموّه، فرؤيته واضحة، وخطابه صادق، وفكره يحمل عمقًا حقيقيًا تجاه قضايا الشباب بمختلف فئاتهم.
لقد تحوّلت لقاءاته إلى منصات حوارية وبرامج وطنية أعادت بناء الثقة، وغرست في نفوس الشباب الأردني حب الوطن والانتماء الحقيقي. لم يكن مستمعًا فحسب، بل شريكًا في صياغة فكر سياسي معاصر، واقعي، ينبع من الناس ويعود إليهم. إلى جانب فكره الناضج، فإن دعمه المتواصل، وقربه الإنساني من مختلف شرائح المجتمع، يشكّلان امتدادًا طبيعيًا لنهج والده، جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، الذي زرع فينا جميعًا معنى القيادة التي تلامس الناس وتعمل من أجلهم.
أتمنى أن تعيد الأحزاب السياسية النظر في بنيتها وبرامجها، وأن تعيد تشكيل نفسها لتكون شريكًا استراتيجيًا حقيقيًا في تعزيز قوة الدولة واستقرارها. فالمطلوب اليوم ليس مجرد تواجد حزبي شكلي، بل أحزابًا تمتلك رؤى واقعية، وبرامجًا سياسية تُعنى بالشباب أولًا، وتمنحهم المساحة للمشاركة والتأثير.
فالشباب هم الأمل الحقيقي لبقاء الأحزاب واستمرارها، وإن لم تضعهم الأحزاب في صُلب اهتمامها، فإن مصيرها سيكون التآكل والتلاشي. فالبرامج الحالية، في كثير من الأحيان، لا تخدم الدولة، ولا تلامس طموحات الشباب، بل تتحول إلى عبء على الحياة السياسية، وإلى حواجز تحول دون تطورها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-06-2025 10:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |