حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,6 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 11489

الأردن ما بعد الطوفان

الأردن ما بعد الطوفان

الأردن ما بعد الطوفان

29-01-2024 12:58 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عماد صقر النعانعة
أسعى في هذا المقال إلى توضيح استجابة الأردن للحرب في غزة، والقيود على خياراته في مجال السياسات، مع التركيز على العواقب المحتملة على الجبهة الداخلية
منذ اليوم الأوّل لأحداث السابع من أكتوبر -وما تلاها من عدوان على غزة- بدا الموقف الأردني السياسي واضحًا تجاه الاحتلال الإسرائيلي، من حيث: مطالبته بوقف العدوان على غزة، ورفض الأهداف الإسرائيلية؛ التي تريد تحقيقها بتفريغ قطاع غزة من سكانه، لكن كيف يُقرأ هذا الموقف؟
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، تجد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نفسها أمام تحدّيات داخلية عديدة، أبرزها انعدام الثقة بها لدى قطاع واسع من الجمهور الإسرائيلي. ويتحدّد موقف الرأي العام الإسرائيلي من الحكومة ورئيسها بعاملين أساسيين: الانقلاب القضائي الذي شرعت في تنفيذه حكومة نتنياهو منذ تشكيلها في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعملية طوفان الأقصى التي هزّت، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، المجتمع الإسرائيلي وأفقدت قياداته توازنها .
يدرك الأردن أنّ الخطة الإستراتيجية لليمين الإسرائيلي الحاكم تقوم على فكرة ابتلاع الجغرافيا، والتخلص من الديمغرافيا الفلسطينية، وتفريغها في دول الجوار.
(الموقف الأردني )
أصدرت الحكومة الأردنية بيانًا في اليوم نفسه دعت فيه إلى "وقف التصعيد"، ودانت "الانتهاكات الإسرائيلية" في حقّ الشعب الفلسطيني ومقدّساته الإسلامية والمسيحية، وأكدت على "ضرورة ضبط النفس وحماية المدنيين". وقد تجنّب البيان إدانة العملية أو "حماس" على نحو مباشر، وظلّ الموقف الأردني الرسمي يتحرّك خلال الأيام الأولى في إطار "ضرورة وقف التصعيد" و"التأكيد على حلّ الدولتين"، و"التحذير من أيّ محاولات للتهجير"، من دون طلب وقف فوري لإطلاق النار في حينه، وهو ما عمل عليه الأردن ومصر، وأُقر في بيان صادر عن اجتماع وزاري لجامعة الدول العربية عقد في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك ردًا على دعواتٍ إسرائيلية، دعمتها الولايات المتحدة، لترحيل الغزّيين من شمال القطاع تحت عنوان فتح "ممرّات آمنة للمدنيين"، وهو الموقف الذي أكّد عليه ملك الأردن خلال زيارته مصر لمناقشة العدوان الإسرائيلي على غزّة، واعتبره خطّا أحمر.
( صعيد العلاقات بين الأردن وإسرائيل)
فإن علاقة القيادة الأردنية منذ عهد الملك حسين بحكومات بنيامين نتنياهو اتسمت بالفتور، حيث حاولت إسرائيل عام 1997 في عهد نتنياهو اغتيال خالد مشعل على الأرض الأردنية. ونتج عن هذه الفضيحة تهديد من جانب الأردن بإلغاء اتفاق وادي عربة للسلام. ومنذ ذلك الحين يَنظر الأردن إلى نتنياهو بعين الريبة. كما أن استقبال نتنياهو الحار لحارس السفارة الإسرائيلية في عمّان الذي قَتل اثنين من المواطنين الأردنيين، والحث على الأعمال العدائية ضد الأماكن الإسلامية المقدسة، أدى إلى مزيد من التدهور في علاقات الأردن وإسرائيل. كما أن الأردن يفتقر إلى علاقات مع "حماس" منذ عام 1999. لذلك يبدو أن الأردن يُرَكِّز على بناء جبهة صلبة مع مصر التي تحظى ببعض النفوذ على "حماس" والحلفاء الغربيين كطريقة للتعويض عن موقفه الراهن.
يقف الأردن في مواجهة باتت "علنية" ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، مُستخدما كل أساليب وأدوات الضغط لمنع حدوث "تهجير قسري" لسكان القطاع أو الضفة الغربية إلى بلد تعتبر القضية الفلسطينية فيه "شأنا أردنيا"، قبل أن يكون فلسطينيا، وسط محاولات ملكية حثيثة لاستعادة المسار السياسي إلى الواجهة
(التداعيات المُحتملة على الجبهة الداخلية)
خلقت أحداث السابع من أكتوبر مشهدًا ضبابيًّا على صعيد مستقبل القضية الفلسطينية، ورؤية غير واضحة الملامح للمستقبل الإقليمي بشكل عام. وبالنسبة للأردن، فإن لها أيضاً تداعيات خطيرة على الجبهة الداخلية، وعلى النحو الآتي:
١. موجة نزوح جديدة
إن من شأن حدوث نزوح مُحتمل للسكّان من غزة أن يؤثّر بشكل مباشر في مصر، وليس الأردن، بسبب القرب الجغرافي. ومع ذلك، فإن التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون سابقون حول تهجير سكّان غزة إلى صحراء سيناء، إلى جانب مُذكّرات البيت الأبيض حول المُساعدات المالية لدعم اللاجئين من غزة، وتسريبات من الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية حول خطط تهجير سكان غزة، كلها تُقلق القيادة الأردنية من أن أي نزوح للسكّان في غزة يُمكن أن يمتد أيضاً إلى الضفة الغربية. ومن شأن الامتداد المُحتمل للأحداث إلى الضفة الغربية أن يؤدّي إلى فرار الفلسطينيين إلى الأردن. وذلك السيناريو ليس أمراً مُمكناّ فحسب، بل يُشجّع عليه المستوطنون الإسرائيليون من خلال توزيعهم المنشورات، وتزايد وتيرة إرهاب المستوطنين الذين يُمارسونه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية - وهو توجّه بدأ مع حكومة نتنياهو ولكنه ازداد في الأسابيع الأخيرة، مع نزوح 820 فلسطينياً بسبب عنف المُستوطنين وتهديداتهم مع اشتعال الحرب على غزة.
٢. تَنامي قوة الإسلاميين
تُظهر الأبحاث أن قضايا السياسة الخارجية، مثل القضية الفلسطينية أو العلاقات مع إسرائيل، لم تكن أولوية سياسية للناخبين الأردنيين. ومن المُتوقّع أن تُغيّر حرب غزة ذلك في الانتخابات البرلمانية المُقرّر إجراؤها في عام 2024. وإدراكا منها لهذا التغيير، قامت الأحزاب السياسية الأردنية إمّا برعاية التحرّكات الشعبية في الشوارع أو عدّلت رسائلها الإعلامية لتشمل دفاعاً أكثر قوة عن قضية فلسطين والدعوة إلى تقليص العلاقات مع إسرائيل وحتى قطعها. علاوة على ذلك، أوضح عريب الرنتاوي، رئيس مركز القدس للدراسات السياسية، أن ما يشهده الأردن هو تحوّل كامل في الخطاب السياسي. وأضاف أنّه حتّى أحزاب الوسط تُطالب باتخاذ خطوات أكثر عدوانية، مثل إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلية، وصفقة المياه مُقابل الطاقة، وإلغاء اتفاقية وادي عربة للسلام لعام 1994 مع إسرائيل. وتابع الرنتاوي القول بأن هذا التحوّل الجديد في المواقف الأردنية لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنّه مُجرّد رد فعل آني على الحرب الجارية في غزّة بل إن هذه المواقف ستستمر لأعوام مقبلة.
وستستفيد الأحزاب الإسلامية من هذا التحوّل، الذي يُقلق القيادة الأردنية. وفي حين أن جميع الأحزاب السياسية على الأرض تُشارك في الحراكات السياسية وتحشد الدعم لأهل غزة، تبرز جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص لقربها الأيديولوجي من حركة حماس، ونفوذها وقاعدة دعمها الواسعة بين الأردنيين من أصل فلسطيني، وحقيقة أن الجماعة تُعدّ أكثر تنظيماً من الأحزاب الأخرى على الأرض. وعلى مدى السنوات الماضية، فقدت جبهة العمل الإسلامي -الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن- نفوذها كما فقدت قوتها في البرلمان والحكومة. وفي عام 2020، ألغت الحكومة تسجيل حزب جماعة الإخوان المسلمين، ومن المحتمل أن تؤدّي الحرب على غزة، والدور الشعبي والإعلامي النشط لجبهة العمل الإسلامي، إلى زيادة رأسمالها السياسي بشكل أو بآخر.
وللتخفيف من كل ذلك، قد ينتهي الأمر بالأردن إلى تأجيل الانتخابات أو حتى تقليص عدد الأحزاب السياسية إذا أصبح الضغط لقطع العلاقات مع إسرائيل صريحاً للغاية أو أصبح الدعم لجبهة العمل الإسلامي مُرتفعاً بما يكفي لمنحها المزيد من المقاعد في البرلمان. وإذا جرت الانتخابات عام 2024، فقد تحشد الجماعة الأردنيين، الذين كانوا منذ فترة طويلة غير مُبالين بالعملية السياسية، للتصويت والمشاركة للتأكّد من سماع أصواتهم، بخاصةٍ فيما يتعلّق بالعلاقات الإسرائيلية-الأردنية. ومثل هذا السيناريو يُمكن أن يؤدّي إلى تشكيل برلمان أكثر إسلاميةً ومُعاداةً لإسرائيل، والذي يضعه في مسار تصادمي مُباشر مع الحكومة المُعيّنة.
٣. التحدّيات الاقتصادية
أشار ميشيل نزّال، عضو مجلس الأعيان السابق ورئيس الاتحاد الأردني لجمعيات السياحة، إلى أن نحو 30-35% من السياحة الأردنية تأتي من الجولات السياحية المُشتركة مع إسرائيل، وتم إلغاء جميع هذه الجولات مع بداية الحرب. فشهرا أكتوبر ونوفمبر هما نهاية ذروة موسم السياحة في الأردن، وقد توقّف الموسم بشكل واضح. وقد حقّق الأردن بالفعل هدفه في عائدات السياحة هذا العام، لكن المُستقبل يبدو غير واضح. بالإضافة إلى ذلك، تُلغي شركات الطيران الاقتصادية، مثل "ريان إير"، مسارات رحلاتها إذا انخفض حجزها إلى أقل من 80%. وفي الواقع، ألغت شركة "إيزي جيت"، وهي شركة طيران اقتصادية أخرى، بالفعل مسار رحلاتها إلى عمّان وفقاً لنزال.
بالإضافة إلى ذلك، يحصل الأردن حالياً على إمدادات من الغاز الإسرائيلي من خلال صفقة مُشتركة مع شركة شيفرون الأمريكية. ومنذ عام 2020، أصبحت إسرائيل مصدراً رئيساً للغاز لكل من الأردن ومصر، وتم تزويد كل البلدين بالغاز عبر خط أنابيب بديل في أوائل أكتوبر، بعد أن بدأت إسرائيل هجماتها على غزة. ومع ذلك، تَظهر مُعارضة مُتزايدة لهذه الإمدادات في الأردن، حيث تُنظّم مجموعات على الإنترنت احتجاجات، وتدعو إلى وقفها. وقد أدرج العديد من الأحزاب السياسية إلغاء صفقة الغاز في قائمة مطالبها للحكومة. وهدّدت جبهة العمل الإسلامي بالاستقالة من مقاعدها في البرلمان إذا لم يُلغَ الاتفاق. والتزم مُشرّعون آخرون في الأردن الصمتَ بشكل ملحوظ بشأن هذه القضية، ويرجع ذلك على الأرجح إلى المخاوف بشأن التأثير المالي لوقف واردات الغاز من إسرائيل.
لا تزال فرص إرغام إسرائيل على وقف حربها العدوانية على قطاع غزة ضعيفة. فالعوامل التي تدفع في اتجاه استمرارها تبدو أرجح في هذه المرحلة، خاصة في ظل الفشل في تحقيق أيٍّ من أهدافها حتى الآن. وسوف يُنظر إلى التراجع في هذه المرحلة باعتباره هزيمة جديدة لا تستطيع إسرائيل تحمّل نتائجها على مستوى هيبة الردع. إضافة إلى ذلك، يفيد استمرار الحرب قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على المستوى الشخصي، لأن ذلك يعزز موقفهم إذا ما حققوا بعض أهداف الحرب أمام لجان التحقيق التي ستشكّل لمحاسبة المسؤولين عن التقصير والفشل الذي حصل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ومن غير موقف عربي أكثر قوة، وضغوط كبيرة على الإدارة الأميركية، فالأرجح أن تعمل إسرائيل وفق ساعتها الزمنية في حربها العدوانية ضد قطاع غزة.
ما زال الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين يرى أنَّ الحل الأمثل للقضية الفلسطينية هو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران، دولة تضم كامل أراضي الضفة الغربية وغزة وغور الأردن والقدس الشرقية، وكل التحركات الميدانية والتصريحات السياسية الأردنية تُقرأ في سياق الوقوف في وجه التهجير، واستثمار اللحظة التاريخية لإعادة إحياء فكرة إقامة الدولة الفلسطينية؛ التي باتت تتآكل مع صعود وتمدد اليمين الإسرائيلي.
حفظ الله جلالة الملك المعظم وحمى الأردن آمناً مستقراً مزدهراً بقيادة عميد آل البيت الأطهار، قائد الوطن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، رعاه الله وأعز ملكه. والله من وراء القصد
المملكة الأردنية الهاشميّة, عمان.
المهندس:عــمــاد صــقــر


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 11489
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-01-2024 12:58 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يوسع الحوثيون نطاق ضرباتهم خارج البحرين الأحمر والعربي بعد تحذير الجماعة واشنطن من استهداف مصالحها بالمنطقة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم