حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,8 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3150

الكتابة بعد الستين ..

الكتابة بعد الستين ..

الكتابة بعد الستين  ..

28-12-2022 11:22 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
كانت المشاعر التي انتابتني صبيحة اليوم الأول للتقاعد مختلطة ومُشَوَّشَةً ... هل أبتهج وأفرح مع وصول قاطرة عملي في القطاع العام إلى محطتها النهائية ... حيث لا دوام بعد اليوم ولا مناكفات مع الرؤساء أو مشاحنات مع المرؤوسين ... أم أحزن وقد أصبحت عاطلاً عن العمل حبيس المنزل فيما الآخرون يقصدون أعمالهم وأشغالهم بكل همة ونشاط ... ما الذي يمكن أن أقوم به بعد سبعة وثلاثين عاماً في الوظيفة العامة .... هل أسعى للبحث عن عمل ... ومن يقبل أن يستخدم من بلغ الستين من العمر ... ثم كيف لي أن أقبل بأي وظيفة وقد بلغت في السلم الحكومي أعلى درجاته ....

أسابيع قليلة فقط مرت على تقاعدي قبل أن ألمح إعلاناً في الصحف المحلية من جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان عن الحاجة لإشغال وظيفة مسؤول الجودة والدراسات في الجمعية .... يا الله الجودة والدراسات معاً .... من الذي بمقدوره أن يجمع بين الخبرة في إدارة الجودة وهو المجال الذي عملت فيه خلال السنوات الأخيرة في مؤسسة الإسكان ... وبين الدراسات المتصلة بقطاع الإسكان والتي عملت فيها سنوات طوال في المؤسسة ... يبدو أن هذا الشاغر مفصل على قياسي تماماً ...

سارعت إلى إرسال سيرتي الذاتية من خلال عنوان البريد الإلكتروني الذي ورد في الإعلان .... بعدها بأيام كنت انتظر دوري في المقابلة في ردهة الطابق الأرضي من مبنى الجمعية عندما لمحت زميلاً قديماً أعرفه يخرج من أحد المكاتب .... لم يكن سوى المرحوم وليم هلسه مدير الجمعية الذي زاملته سنوات طوال عندما كان مديراً لمكتب مدير عام مؤسسة الإسكان ...

جاء دوري للمقابلة ... صعدت إلى الطابق الثاني حيث غرفة الإجتماعات ... وجدت بانتظاري رئيس الجمعية واثنين من أعضاء هيئتها الإدارية .... كانت المقابلة في غاية السهولة ... فقد كنت شديد الإلمام بكافة الأسئلة التي طرحوها ... لا بل أن معرفتي بها كانت تماثل أو قد تزيد عما لدى أي منهم .... فهذه ساحتي وهذا مجالي ...

كان منتصف شهر كانون الثاني 2018 هو أول أيام دوامي في عملي الجديد ... لم يكن الراتب في البداية مجزياً في ضوء سنوات الخبرة الطويلة التي كنت أتمتع بها إضافة إلى تنوع المهارات والخبرات التي كانت لدي والتي جاءت لتسد حاجة ملحة لدى الجمعية .... كنت أعمل في كافة المجالات التي تحتاجها الجمعية وخاصة القضايا المتخصصة ذات الصلة بقطاع الإسكان إضافة إلى تطوير قاعدة البيانات لدى الجمعية ... فقد كانت الجمعية تضم الآلاف من المستثمرين في إنشاء العمارات والشقق السكنية ...

كنت ألقى الاحترام والتقدير من رئيس الجمعية ومن أعضاء هيئتها الإدارية وكذلك من أعضاء الهيئة العامة الذين كانوا يراجعون الجمعية لمتابعة قضايا وشؤون تخصهم أو لحضور الاجتماعات واللقاءات التي كانت تتم هناك .... وقد حافظت على سماتي وطباعي التي لازمتني طوال خدمتي في القطاع العام ... فلم أكن أداهن أو أهادن أياً كان عندما يتعلق الأمر بما كنت أراه أو أعتقده صواباً .... وقد حدث أن اختلفت في شهر آذار من عام 2019 مع رئيس الجمعية ... لأقوم على أثرها بتقديم استقالتي من العمل وقد حرصت على تسجيل ذلك وتوثيقه في الديوان بحيث يصعب سحب الاستقالة أو التراجع عنها ... برغم ذلك فقد قمت بسحبها والتراجع عنها في نفس اليوم إكراماً لخاطر عدد من أعضاء الهيئة الإدارية الذين سارعوا إلى مكتبي فور علمهم بذلك وقد كنت أهم بمغادرة الجمعية إلى البيت ....

أطلقت أمانة عمان في الأشهر الأولى من عام 2018 نظاماً معدلاً للأبنية والتنظيم في مناطقها وقد اعتبره المستثمرون في قطاع الإسكان مجحفاً بحقهم وقد تصدرت الجمعية الجهات المعارضة للنظام الجديد واستطاعت تحقيق بعض المكاسب من خلال تعديلات تم اجراؤها لاحقاً على بنود هذا النظام ... وقد لفت انتباهي قبل ذلك وفي مطلع شهر نيسان من ذلك العام مقال نَشَرَهُ موقع "خَبِّرْني" الإلكتروني لخبير التخطيط الحضري د. مراد الكلالده يصف فيه نظام الأبنية الجديد بالنظام الإصلاحي في انحياز واضح من جانب الدكتور للجوانب الجمالية والتخطيطية للمدينة والتي تتطلب الحد من مساحات البناء لصالح الفراغات والساحات والحدائق ... ولما كنت بحكم خلفيتي في سياسات واستراتيجيات الاسكان منحازاً لزيادة مساحات البناء وزيادة عدد الشقق السكنية على قطعة الأرض الواحدة لتوفير المساكن لمن يحتاجها بأقل كلفة ممكنة ... فقد وجدتني أكتب رداً معارضاً لرأي د. الكلالدة بعنوان "هل نظام الأبنية إصلاحي فعلاً" نشره ذات الموقع في اليوم التالي في مكان رئيسي ومقروء ... ولتبدأ بعدها رحلتي مع كتابة المقالات في مختلف القضايا والمواضيع ونَشْرِها في المواقع الإلكترونية حيث كان يتم نشر بعضها في أربعة مواقع بشكل متزامن ... بلغ عدد المقالات التي تم نشرها منذ ذلك الوقت قرابة مئتي مقال .... وقد نال بعضها الكثير من العناية والإهتمام وردود الفعل .... وأذكر هنا المقال الذي نَشَرْتُهُ في تموز 2021 في أكثر من موقع إلكتروني بعنوان "ماذا يفعل النواب في منزل الرئيس" عندما شرع رئيس الوزراء د. بشر خصاونه في دعوة النواب إلى موائد غداء متتالية في منزله ... يومها سارع وزير الإعلام المهندس صخر دودين على إثر نشر المقال ليخرج بتصريح يجيب فيه عن ذلك السؤال قائلاً بالحرف الواحد "إن هذه الدعوات من أجل الصالح العام إذ نتآلف سوياً ونحافظ على حميمية العلاقة بين الطرفين ...."، كما تلقيت اتصالاً هاتفياً في حزيران 2020 من رئيس ديوان المحاسبة عاصم حداد يشكرني فيه على مقال نشرته بعنوان "ديوان المحاسبة إذ يعرقل عمل البلديات" وقبل ذلك بنحو شهر كانت قد تواصلت معي النائب ديمه طهبوب للاستفسار عن تفاصيل وردت في مقال "عن حكاية المليارات الثلاثة" الذي نشرْتُهُ في أعقاب اللغط الذي ثار حول موضوع "الملاذات الآمنة" .... كذلك اختارت الجامعة الأردنية مقال "ما ينتظرنا ليس مجهولاً يا معالي الوزير" الذي كتبته خلال فترة الذروة لوباء كورونا ضمن المقالات المختارة التي تضمنها تقريرها الصحفي الذي توزعه الجامعة بشكل دوري ... كما تمت إعادة نشر الكثير من المقالات من قبل مواقع إلكترونية متعددة ... بالمقابل فقد واجهتُ عدة حالات كان يتم فيها نشر المقال من قبل موقع ما ... ليتم حذفه بعد وقت قصير عندما يعتقد المعنيون في ذلك الموقع متأخرين أن المقال قد تجاوز خطاً أحمر أو دخل إلى منطقة ممنوعة يُحظَرُ الدخول إليها .... إضافة إلى ذلك فقد عانيت من حقيقة اهتمام الكثير من المواقع باسم الكاتب أكثر من اهتمامها بمضمون الكتابة أو المقال وأن المعرفة الشخصية قد تتيح نشر ما يكتبه زيد فيما تحجب ما جادت به قريحة عمرو ....

كنت حريصاً على احترام الخيارات التي كان يتخذها أبنائي وبناتي في مختلف الجوانب المتصلة بحياة كل منهم ومستقبله حتى لو كانت تخالف آرائي واجتهاداتي بهذا الخصوص ... فقد وافقتُ على مضض على قرار باسل بالسفر إلى الإمارات العربية المتحدة للبحث عن عمل له هناك عندما أُغلقت السبل في وجهه لإيجاد عمل مناسب له في بلده وبين أهله ... تَخَرَّجَ باسل كمهندس معماري من الجامعة الهاشمية وقضى بعد ذلك قرابة سنتين اثنتين تَنَقَّلَ خلالهما بين العديد من أرباب العمل دون يظفر بالفرصة التي يقتنع فيها ... كان باسل مجداً ومجتهداً ولكنه كان مرهف الأحاسيس يعاني مثل أبيه من متلازمة السعي نحو الكمال والإفراط في المثالية ...
شجعت أولادي على تجنب العمل في القطاع العام ... التحق نزار بعدة شركات في مجال تكنولوجيا المعلومات وانتهى به الحال في منصب جيد في مكاتب شبكة mbc في عمان فيما اختصر أحمد وهو من دَرَسَ العلوم المالية والمصرفية في جامعة البلقاء التطبيقية المشوارَ بالعمل لدى أخواله في مجال تصنيع الحلويات من "الكيك" و"المعمول" بمختلف أنواعه فلديهم مصنع متخصص قاموا بتطويره بجدهم وعرقهم حتى غدا الأبرز على مستوى المملكة ... أما هزار فقد عملت في الجامعة الأردنية كمساعدة بحث وتدريس في كلية الزراعة التي سبق ودرست فيها ...

غادر باسل إلى الإمارات ومعه غادرتْ قطعة من قلبي لا تعود إلا عندما يعود ... وجد عملاً في تلك الديار وأحب الحياة هناك وانسجم فيها ... نتواصل معه بالصوت والصورة مرة واحدة أو اثنتين في الأسبوع ... إلا أنني كثيراً ما ألوم نفسي وأُقَرَّعُها كيف سايَرْتُهُ ووافقت له على السفر ... كيف طاوعني قلبي أن أراه يحمل حقيبته ويمضي .... نعم ظروف الحياة صعبة وقاسية ولكن الأقسى منها أن نُلقي فلذات أكبادنا في مهاوي الغربة والبِعَاد ... تباً لهذه الدنيا ما أقساها .... لا تأبه للنيران التي تضطرم في قلوبنا ولا الدموع التي تنهمر من مآقينا كلما هزنا الحنين والشوق إليهم ....

قاربت فترة ولاية الهيئة الإدارية لجمعية المستثمرين في قطاع الإسكان في شهر نيسان 2019 على الإنتهاء وبدأ التحضير لإجراء انتخابات جديدة كان سيتنافس فيها التيار الذي انتهت ولايته وتيار آخر منافس ... حدثت عدة تطورات متلاحقة أدت إلى تأجيل الانتخابات إلى الأيام الأخيرة من عام 2019 وقد حرصْتُ خلال الفترة التي واكبت هذه التطورات على المحافظة على موقفي واضحاً مستقلاً لا يخاف في قول الحق لومة لائم ... موقف دفعت ثمنه غالياً .... لم يشفع لي في ذلك عملي المخلص والدؤوب ولا النقلة النوعية التي أحدثتها في أسلوب عمل الجمعية ... لم تكن المرة الأولى التي أدفع فيها أثمان وأكلاف باهظة لمواقف مارستها في مختلف مراحل مسيرتي العملية إلا أن هذه المرة كانت مختلفة تماماً فقد شعرت بالظلم الشديد كما شعرت بالهزيمة أيضاً وهو شعور لم أعهده في أي فترة من حياتي ...








طباعة
  • المشاهدات: 3150
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
28-12-2022 11:22 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم