حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,7 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5798

لا بد من التقاعد وإن طال السفر ..

لا بد من التقاعد وإن طال السفر ..

لا بد من التقاعد وإن طال السفر  ..

25-12-2022 02:34 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
غادر د. جعفر حسان وزارة التخطيط والتعاون الدولي مع تشكيل د. عبد الله النسور حكومته الثانية في نهاية شهر آذار عام 2013 وحل محله د. ابراهيم سيف الذي كنت قد التقيته قبل عدة أشهر في اجتماع عقد في وزارة الزراعة ... ربما كنت الشخص الوحيد الذي شعر بالخسارة الشخصية لمغادرة جعفر حسان الوزارة ... مضت عدة أسابيع على وجود الوزير الجديد لم يطلبني خلالها ولم يسأل عني رغم أن المسافة بين مكتبينا لا تتجاوز بضعة أمتار وبرغم مروره عن مكتبي عند قدومه صباحاً وعند المغادرة بعد الظهر .... طلبت مقابلة الوزير وشرحت له المهام التي أقوم بها وما أنوي القيام به في قادم الأيام ... أكد الوزير على أهمية التقييم المستمر لأداء برنامج تعزيز الإنتاجية وعَبَّرَ عن دعمه للجهود التي أقوم بها ... دعم لم ألمس منه شيئاً على أرض الواقع ... حتى التقارير التقييمية التي رفعتها إليه بعد ذلك لم يصلني من طرفه أي ملاحظة عليها أو تعليق ....

لم تكن العلاقة بيني وبين الأمين العام في أحسن حالاتها ... ربما بسبب اعتدادي بنفسي واصراري على طرح أفكاري حتى لو كانت لا تتفق كثيراً مع توجهات مدرائي .... كنت عضواً في لجنة تم تشكيلها برئاسته وعضوية مدير عام المؤسسة التعاونية للإشراف على جائزة تم اطلاقها لأفضل مشروع نَفَذَتْهُ جمعية تعاونية تلقت تمويلاً من الوزارة .... وقد رفضتُ توقيع محضر جلسة اقرار النتائج لعدم تطابقه مع ما تم بحثه ومناقشته خلال الاجتماع ...

مع انقضاء الأسبوع الأول من شهر آب عام 2014 كان قد مر على وفاة أخي خليل فترة شهر كامل ... استطعت خلالها أن استجمع قواي مجدداً وأن أتحرر قليلاً من موجات الكآبة والحزن التي عصفت بي إثر تلك الفاجعة ... وعزمت بعدها على المباشرة بجولة جديدة على مشاريع وأنشطة البرنامج لمزيد من المتابعة والتقييم ... ولهذا الغرض قمت بمخاطبة الجهات المنفذة لتلك المشاريع من خلال البريد الإلكتروني لإعلامها بذلك مع إرسال نسخة من هذه المخاطبات إلى الأمين العام .... لأفاجأ بعد مرور يوم واحد أو يومين على ذلك باستلام مغلف مغلق .... فتحته على الفور لأجد فيه كتاباً موجهاً لي بتوقيع الوزير يعلمني فيه بإنهاء إعارتي إلى الوزارة لأن نظام الخدمة المدنية يحدد مدة الإعارة بثلاث سنوات كحد أعلى ....

كان للقرار وقع الصدمة علَيَّ ... قرار لم يخطر لي يوماً على بال ... فأنا معار للوزارة منذ ستة عشر عاماً ... والإعارة استمرت بموافقة من مجلس الوزراء ... لم يكن قرار الوزير بإنهاء الإعارة معالجةً لوضع خاطئ ولا تطبيقاً للنظام ... وإنما تخلصاً من حمولة رآها من نَسَّبَ بالقرار زائدة لا بل ومزعجة أيضاً ... كان بالإمكان تصويب الأمر لمن رأى فيه مخالفة بنقلي من كادر المؤسسة إلى كادر الوزارة أو باستمرار الوضع القائم ثلاث سنوات عندها تنتهي خدمتي حكماً بالتقاعد ....

كان علي أن أعود إلى مؤسسة الإسكان بعد ثلاثة أسابيع .... لم تكن هناك حاجة لتسليم مهامي أو أي شيء يتعلق بعملي لأي كان فلن يخلفني أحد في هذا الموقع ....

كانت علاقتي مع وزارة التخطيط محكومة بعقد عمل يتم تجديده سنوياً وما قامت به الوزارة هو في الواقع إنهاء لذلك العقد ... مما يلزم الوزارة بمنحي الحقوق المترتبة على ذلك والتي من ضمنها بدل رصيد الإجازات غير المستغلة والتي بلغت خمسة وخمسين يوماً ...

طلبت بموجب مذكرة رسمية قيمة بدل الإجازات غير المستغلة والبالغة قرابة راتب شهرين اثنين ... تم السير بالإجراءات حسب الأصول ... إلا أن المعاملة توقفت .... ولما استفسرت عن ذلك قيل إنها ما زالت عالقة عند المدقق الداخلي ... قمت بمراجعته ... ليستقبلني بابتسامة فيها الكثير من الخبث والشماتة قائلاً بدك راتب شهرين ... والله حلوات ... بس ما بنقدر نصرفلك إياهن يا ابن عمي ... لماذا يا سيدي سألته مستغرباً ... ليُجيبَ انت ما انتهت خدمتك ... انت رح ترجع على مؤسسة الإسكان وبتوخذ إجازاتك معاك .... ولما شرحت له أن هناك نص واضح في نظام الخدمة المدنية يحول دون ذلك ... ازدادت ابتسامته اتساعاً وقال حتى ولو أنا مش موافق .... كانت تلك بداية معركة استمرت قرابة ثلاث سنوات فقد ألقى ذلك الكارِهُ أو الحاسد أو الحاقد حجراً في البئر .... ليعجز بعد ذلك كل العقلاء ومعظمهم خائف متردد ومرعوب عن اخراجه ... رفضتْ مؤسسة الإسكان احتساب تلك الاجازات ورفضتْ وزارة التخطيط دفع بدل مالي لها ... وتُهتُ قرابة ثلاث سنوات بين الجهتين وشرعت في زيارات مكوكية دون جدوى لكل من ديوان الخدمة المدنية وديوان المظالم وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد بعد أن تولت مهام ديوان المظالم ... ضاع حقي في وضح النهار .... كانت تلك بمثابة المكافأة التي تلقيتها من وزارة التخطيط بعد خدمتي فيها ستة عشر عاماً بشكل متواصل لم آخذ فيها من الإجازات طيلة تلك الفترة إلا بضعة عشر يوماً فقط ولأسباب اضطرارية ...

غادرت الوزارة حزيناً دون أن أسمع من إيٍ من مسؤوليها كلمة شكر أو وداع ... وقد اعتادت الوزارة على إقامة حفل تكريمي للموظفين الذي يتقاعدون أو تنتهي خدماتهم فيها حتى لو كانوا من العاملين في المواقع الإدارية والخدمية البسيطة ... عَبَرْتُ المدخل الرئيسي ... ابتعدت عشرة أمتار أو نحوها ... توقفت قليلا استدرتْ نظرتْ إلى الوزارة تأملت نوافذها المشرعة على مصاريعها علني أرى ولو يداً واحدة تلوح لي مودعة من عشرات الزملاء والزميلات الذين خدمت بمعيتهم فلم أجد ...

عدت إلى مؤسسة الإسكان بعد غياب استمر ستة عشر عاماً .... كثير من الوجوه تغيرت ... فيما بقيت وجوه أخرى أعرفها وتعرفني جيداً ... قابلت مديرها العام في ذلك الوقت المرحوم المهندس فارس الجنيدي ... عَرَّفتهُ بنفسي وذكرت له أنني قد راجعته مرة واحدة قبل عشرين عاماً عندما كان مديراً لدائرة البيئة التي كانت جزءاً من وزارة الشؤون البلدية والقروية والبيئة .... كنت أتوقع أن تتم إحالتي على التقاعد فوراً ... إلا أن ذلك لم يتم .... قابلني معظم مدراء المؤسسة ومسؤوليها بشيء من الفتور .... وحده مدير إدارة الشؤون المالية والإدارية مازن ضيف الله من استقبلني بحفاوة وترحيب بالغ معتبراً ذلك مكسباً كبيراً للمؤسسة ... ليتم تعييني بدعم وتنسيب منه مديراً للجودة في المؤسسة .... موضوع جديد علي ولم يسبق أن عملت فيه قبل ذلك .... لم أجد مشكلة في كبيرة في عملي الجديد فخلال أسابيع قليلة استطعت الإلمام بكافة التفاصيل بما في ذلك نظام الجودة الأيزو الذي كانت المؤسسة تعمل بموجبه وتسعى للمحافظة عليه ...

استطعت خلال وجودي في المؤسسة أن أنجز الكثير ... فقد تمكنتْ المؤسسة من الحصول على نجمتين اثنتين ضمن جائزة الخدمة الحكومية المتميزة التي كان يشرف عليها مركز الملك عبد الله للتميز بدلاً من نجمة واحدة فقط كانت تحصل عليها المؤسسة في السنوات السابقة .... لم أتلقى والفريق العامل معي كلمة شكر واحدة .... كل ما استطعت الظفر به هو موافقة المدير العام على رصد مبلغ مائتي دينار لإقامة احتفال يحضره جميع موظفي المؤسسة على أن يتم أخذ موافقة مندوب ديوان المحاسبة المسبقة على ذلك ... وبسبب الثقة الكبيرة التي حصلت عليها لدى أصحاب القرار تم تكليفي بتولي الإشراف على تحديث أنظمة الكمبيوتر القديمة للمؤسسة برغم أن ذلك يقع خارج اختصاصي وبرغم وجود العديد ممن هم أقرب مني لهذا المجال ....

كانت المؤسسة تعاني من الكثير من الترهل والاختلالات الهيكلية ... أعداد كبيرة من المدراء ورؤساء الأقسام يكاد يفوق عددهم عدد الموظفين العاديين .... اتخذ وزير الأشغال العامة والإسكان رئيس مجلس إدارة المؤسسة قراراً مفاجئاً ونادراً بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للمؤسسة لإزالة هذه الاختلالات ولتحقيق مزيد من الكفاءة والفاعلية ... تم تشكيل لجنة لدراسة الوضع القائم والتنسيب بالإصلاحات المقترحة وقد كنت العضو الفاعل فيها .... قمت بإعداد هيكل تنظيمي رشيق يضمن تقليل عدد المدراء ورؤساء الأقسام بشكل كبير وقد قمت بتقديمه إلى المدير العام بعد أن أخذت موافقة المعنيين في وزارة تطوير القطاع العام عليه ... تم رفع المقترح الذي كان ثمرة عمل شهور عديدة إلى وزير الأشغال العامة والإسكان ... الذي ألقاه في غيابت الجب دون أن يصلنا منه أي تغذية راجعة أو توجيه .... كثيرون قالوا وقتها إن مثل ذلك المقترح لا يمكن أن يمر فهو يمس مدراء وموظفين محسوبين على معاليه ....

تمت ترقيتي في شهر آذار من عام 2017 لأصبح مديراً لإدارة شؤون المستفيدين وهي الوحدة الإدارية المسؤولة عن بيع وتخصيص الشقق وقطع الأراضي السكنية للمستفيدين ....

كانت الأيام تمر سريعاً باتجاه السادس من تشرين ثاني من ذلك العام وهو اليوم الذي أبلغ فيه من العمر ستين عاماً وهو موعد التقاعد الاجباري من الخدمة ... وقد كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت د. هاني الملقي قد اتخذ قراراً بعدم تمديد خدمة الموظفين بعد بلوغهم سن الستين ... قبل ذلك كان يتم التمديد بالواسطة والمحسوبية لموظفين معظمهم غير منتجين وعالة على مؤسساتهم لمدة خمس سنوات بعد بلوغهم سن التقاعد ...

قبل انتهاء خدمتي في المؤسسة بأيام قليلة استدعاني مدير عام المؤسسة المرحوم فارس الجنيدي وأبلغني أنه مسافر في إجازة لمدة ثلاثة أيام وأنه قد أخذ موافقة رئيس مجلس الإدارة على تكليفي بتولي مهام المدير العام خلال هذه الفترة وأضاف باسماً بالرغم من أن القرار لن يسر الكثيرين .....

تمت إحالتي على التقاعد بعد خدمة قاربت سبعة وثلاثين عاماً في القطاع العام وبعد ستة عشر سنة في الدرجة الخاصة ... وقبيل مغادرتي المؤسسة حرص زملائي الذين عملت معهم فيها قرابة ثلاث سنوات فقط على إقامة حفل وداع تكريمي لي امتزجت فيه ابتسامات ودموع ودعوات وأماني طيبة مع هدية تقديرية في الختام ...
غادرت المؤسسة حامداً شاكراً... فيما كانت أيدي العشرات من الزميلات والزملاء الذين سأبقى أدين لهم وللمؤسسة التي يعملون فيها بالكثير .... تُلَوِّحُ بالوداع ...








طباعة
  • المشاهدات: 5798
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-12-2022 02:34 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم