حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,5 يوليو, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3528

المُنى عندنا .. ثَوبُها أخضرُ

المُنى عندنا .. ثَوبُها أخضرُ

المُنى عندنا  ..  ثَوبُها أخضرُ

16-10-2022 02:42 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص
عاد ابراهيم من ليبيا للإستقرار بشكل نهائي في الأردن بعد خمسة أعوام من عمله فيها ... عاد براً قادماً من اللاذقية بسيارته السكنية من نوع داتسون 140J .... لم يعد لوحده هذه المرة فهو قد تزوج قبل سنتين من الفتاة التي اختارتها له أمي كما أنه قد أصبح أباً لطفلة جميلة كان لها قصب السبق أن تكون أولى الأحفاد والحفيدات لهذه الأسرة ... وقبل عودته بشهور قليلة قامت الأسرة بتوسيع المنزل بإضافة مساحة حوالي ستين متراً مربعاً للبناء القائم بحيث أصبح المنزل مكتملاً ومريحاً بعد إضافة صالون واسع وغرفة رابعة ... وقد تم التمهيد للبناء الإضافي بتسوية الأرض الوعرة خلف المنزل بحفر وإزالة كميات كبيرة من الصخر القاسي ...

انتهت آخر عطلة صيفية لي قبل التخرج وبدأت سنتي الدراسية الخامسة والأخيرة في الجامعة ... وكنت قبلها قد استكملت بنجاح كافة المواد المطلوبة قبل العبور إلى هذه المرحلة بما في ذلك متطلبات الجامعة الاختيارية وهي ثلاث مواد يدرسها الطالب من خارج كليته وكنت قد اخترت مادة مبادىء الإقتصاد لمدرس مصري ومبادىء المنطق للمرحوم د. سحبان خليفات ومدخل إلى علم الإجتماع للدكتور المتميز عمر الخطيب الذي قدم في الثمانينات برنامج المسابقات التلفزيوني المعروف "بنك المعلومات" .... وقد كانت هذه المواد التي تفوقت فيها واستمتعت بمثابة محطات استراحة والتقاط انفاس بين مواد الهندسة الموغلة في الصعوبة والتعقيد ...

ما أن تَدْخُلْ السنة الخامسة في الكلية حتى يتم وَسْمِكَ بإسم او صفة "خريج" فلك معاملة تفضيلية على غيرك من الطلاب ... وتتغير طبيعة العلاقة مع طلبة السنوات الأخرى الذين يبدؤون بمعاملتك "كضيف" أمست فترة إقامته في الكلية معدودة ... كنا ننظر بألم وحسرة إلى المباني الدائمة لكلية الهندسة قيد الإنجاز والتي لم يتح لنا الإنتقال إليها والاستمتاع بما فيها من مرافق وتسهيلات ... مقارنة بالطابق الأول من مبنى قسم الجيولوجيا ... الذي استضافنا وقدم لنا كل امكانياته المتواضعة طيلة سنوات دراستنا في الجامعة ...

تتميز مواد السنة الخامسة بوجود مادة "مشروع التخرج" على مدى فصلي السنة الدراسية وهي المادة الرئيسية والأهم ضمن مواد سنوات الدراسة الخمس .... حيث يتم من خلالها التطبيق الفعلي لمبادئ وعلوم التخصص تمهيداً للانتقال للحياة العملية بعد التخرج ... يتم تقسيم الطلبة إلى مجموعات تضم كل منها ثلاثة أو أربعة طلاب وتقوم كل مجموعة باختيار واحدٍ من المشاريع التي تقترحها الكلية للقيام بتنفيذ أعمال التصميم الهندسي الخاصة به ... من ضمن ثلاثة فروع رئيسية هي المباني والمنشآت ... والطرق والجسور .... والمياه والصرف الصحي ... وغالباً ما تكون المشاريع المطروحة مشاريعاً حقيقية لم يتم تنفيذها بعد .... يتولى الإشراف على عمل كل مجموعة دكتور من الكلية وتقوم لجنة من مهندسين متخصصين من خارج الجامعة بالمناقشة والتقييم النهائي لعمل المجموعة ....

كان المشرف على مجموعتي التي تضم إلى جانبي اثنين من الزملاء الطلبة د. بسام أبو غزالة عميد الكلية وقد اخترنا مشروعاً لتصميم مجمع تجاري متعدد الطوابق في منطقة سقف السيل ... وقد فوجئت بعدها وعندما اطلعت على التفاصيل أن المشروع يتعلق بقطعة الأرض المقام عليها سوق الخضار حالياً وهي مملوكة بمعظمها لوزارة الأوقاف فيما يملك شركاء آخرون بقية القطعة ... نعم نفس السوق الذي عملت فيه عتالاً لأربعة مواسم صيفية متتالية ... فقد اتفقت الوزارة مع شركائها على إزالة سوق الخضار الحالي وإقامة مجمع تجاري ضخم مكانه مع تخصيص الطابق الأرضي من المجمع لعمل سوق خضار حديث .... ياه أيها السوق الحبيب يا رفيق دربي في أيام خلت كانت صعبة وشاقة أراها الآن في غاية الجمال .... ها نحن نعاود اللقاء بعد أكثر من ثماني سنوات على البعاد ... لو تعلم كم تحمل نفسي لك ولتلك الأيام من الشوق والحنين ...

عَمِلْتُ بجد واجتهاد لتصميم الجزء الخاص بي من المشروع إلا أن الوقت قد داهمني في نهاية العام وخشيت أن لا أتمكن من رسم كافة المخططات للتصاميم التي وضعتها في الموعد المحدد وقد كان الرسم يتم يدوياً في ذلك الوقت قبل دخول أجهزة الحاسوب هذا المجال ... فما ما كان من أخي إلا أن بادر بالاستعانة برسام لمساعدتي في ذلك ...

أنْجَزَتْ المجموعةُ التصاميم المطلوبة للمشروع وتمت مناقشتها مع لجنة التقييم الخارجية والتي أجازتها ومنحتنا هي والدكتور المشرف تقييماً عالياً وعلامات مرتفعة ... إلا أن المشروع لم يرى النور حتى الآن نتيجة خلافات استجدت فيما بعد بين الوزارة وشركائها في قطعة الأرض ....

بحلول نهاية شهر أيار من عام 1981 أتممت وزملائي الطلبة كافة متطلبات التخرج ... منهيين بذلك مشواراً طويلاً صعباً استمر خمس سنوات كاملة ... وعُدْنا نُرَدِدُ مع صوت المرحوم عبد الحليم حافظ أغنية "وحياة ألبي وأفراحه ..." ولكن بروح مختلفة وفرح غامر غير مسبوق ... فالنجاح هذه المرة ليس مجرد محطة عبور لمرحلة دراسية قادمة ... وإنما قطافٌ كاملٌ لثمرةِ تعبِ وجهدِ سنين طوال ... لحظةً لم أكن أنتظرها بفارغ الصبر لوحدي ... بل أسرة من ثمانية أفراد أيضاً ... صبروا معي وقدموا لي كل الدعم والمساندة التي احتَجْتُها ... وهي تعني الكثير لكل واحد منهم وخاصة والدي الحبيب ... فأول يوم عمل لي بعد التخرج ... سيكون أول أيام راحته وتوقفه عن العمل بعد عقود من الكد والشقاء ....

كان يوم الأربعاء الموافق السابع عشر من حزيران لعام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين يوماً تاريخياً بالنسبة لي ولأسرتي ولكافة الطلبة الخريجين وأسرهم ذلك العام ... فقد كنا ضمن الفوج السادس عشر من خريجي الجامعة الأردنية والذي رعى حفل تَخَرُجِهِ الذي اقيم عصر ذلك اليوم المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال وقد كانت هي المرة الأخيرة التي يرعى فيها جلالته حفل تخرج سنوي لتلك الجامعة ...
كان الاحتفال مهيباً وكان ستاد عمان الدولي يَضُجُ ألقاً وبهاءاً ... وبين جنباته صدحت أصوات الخريجين مرددة نشيد الجامعة الأردنية الذي وضعه الشاعر حيدر محمود في ذلك العام "المُنى عندنا ... ثوبها أخضرُ ... باسم أُردننا ... اسمها يِكْبُرُ" ...

كانت أمي وأبي يجلسان في الواجهة المقابلة لمنصة التخريج ... ينتظران بشوق وترقب موعد مرور موكب طلبة كلية الهندسة ... عريف الحفل ينادي على عميد كلية الهندسة ... يتقدم د. بسام أبو غزالة يطلب الإذن من راعي الإحتفال بالبدء بإجراءات تخرج طلبة كلية الهندسة ... يبدأ العريف بتلاوة الأسماء ... يُناولُ رئيس الجامعة د. عبد السلام المجالي شهادات التخرج لجلالة الملك حسين الذي يسلمها للخريجين ... يستمر المذيع في تلاوة الأسماء ... ينادي عادل اسماعيل بصبوص ... يسمع الأبوان الاسم فيقفزان كطفلين وقد غمرهما الفرح والابتهاج ... تختلط الدموع بالبسمات ... يصل عادل إلى المنصةِ مُنْفَرَجَ الأساريرِ يتسلم الشهادة العتيدة ... فَتُطوى بذلك صفحة من تاريخ تلك الأسرة ... وتُفْتًحُ أخرى ...








طباعة
  • المشاهدات: 3528
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-10-2022 02:42 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما رأيك بأداء وزارة الاستثمار برئاسة مثنى الغرايبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم