30-06-2021 11:23 AM
بقلم : منصور السرحان
مرت بنا في الأيام الماضية قضية التشكيك المقصودة بأحداث معركة الكرامة الخالدة من قبل أحد من يطلق عليهم الكتاب والمحللين، وانطلقت حملات عفوية من الردود من قبل أبناء الوطن المخلصين بشكل فردي وجماعي على تلك المزاعم وجاءت كرد فعل طبيعي لأنها مسَّت إرثا من التضحيات والكرامة التي قدمها أبناء جيشنا العربي الأردني في ملحمة تكاد تكون أسطورية في الدفاع عن الوطن والذود عنه.
وأنا أقول "معركة الكرامة" ليست بحاجة لتفنيد وشهود وشهادات، لأنها معركة خُطَّتْ سطورها بدماء زكية جرت على جنبات النهر العظيم الذي يجمع الشعبين ويربط الوطنين ولا يفرقهما كما غمز بذلك كاتب المقال.
المعركة شهودها أحياء وأموات ولكنهم "أحياء عند ربهم يرزقون"، المعركة أو لنقل الملحمة شهودها زغاريد النشميات الأردنيات التي لا يزال صداها يتردد كلما اقتربنا من ضريح "الجندي المشهود وليس المجهول"، الملحمة شهودها جمر وغبار وعيون حمراء وغضب اقشعرت منه جلود الأعداء في ذلك اليوم، المعركة شهودها وطن بأكمله لم يهادن ولم يضعف أمام آلة الحرب المتفوقة آنذاك، المعركة شهودها أبطال من جنود وضباط صف وضباط "تناخوا بأسماء أخواتهم حيث تسمع "أنا أخو فلانة" أو "أنا راعي فلانة" وقد تكون هذه المصطلحات الوطنية غريبة على الكاتب وأمثاله لا بل أعياهم فهمها ومرماها وكيف تُغير نخوة من هذا النوع مسار الأحداث بشكل دراماتيكي وهو ما حدث في الكرامة.
لا أريد أن أخوض في التحليل العملياتي والتعبوي ومن قبلهما الهدف والتوجيه الاستراتيجي الذي حدد ملامح المعركة ليعرف الجاهل أو المتجاهل أن معركة الكرامة كانت قوة مقابل قوة وجيش مقابل جيش وأن الكرامة المعركة لم تكن ردة فعل بل كانت فعلا تاما.
لقد كان النهر العظيم هو الحد الفاصل بين القوتين. وكانت قواتنا المسلحة قبل المعركة منظمة بطريقة عملياتية وتعبوية بحيث كانت تمتلك ما يسمى "الحجابات" وهي مدفوعة أقرب ما يكون للعدو للحصول على المعلومات ومنع المفاجأة من العدو، وقبلها ما يسمى "القطعات الساترة" وهي التي تصد وتمتص زخم الهجوم الأولي للعدو، وقبلها تتوزع قوات الجسم الرئيسي التي كانت تتخذ مواقع مسيطرة على المرتفعات الشرقية، وقبلها أسلحة الإسناد من المدفعية والصواريخ وسلاح الجو.
هذا هو شكل التنظيم الدفاعي للجيش العربي الأردني قبل بدء المعركة، وهذا يحتاج قوات نظامية مدربة ومجهزة ومؤهلة للتعامل مع أي اعتداء أو "تعرض" وهو ما حصل.
استخدمت قواتنا المسلحة وأبدعت في جمع المعلومات الاستخبارية و "عمليات المعلومات" وهو مصطلح الحديث لكنه طبق باحترافية عالية من حيث الخداع العسكري والحرب الإلكترونية والمشاركة المجتمعية والعمليات الإعلامية. وكانت دقة المعلومات عالية بحيث تم تحديد "ساعة الصفر" لهجوم العدو بدقة عالية ومهارة وبعد نظر من القادة العملياتيين والتعبويين.
الموضوع الأهم هو أن الجيوش على مر التاريخ تعمل ضمن إطار ما يسمى "العقيدة العسكرية" وهي نبراس العمل والهادي والموجه لكافة العمليات العسكرية "الدفاعية والتعرضية"، لذا كانت العقيدة العسكرية الأردنية المتمثلة بخطوط الوطنية والدين والشرف، هي من حكمت العمل قبل وأثناء وما بعد المعركة "الكرامة"، خاصة وأن العقيدة عندما تتكامل مع الجاهزية القتالية والتعبئة النفسية والوطنية لكل فئات المجتمع المخلصة تكون النتيجة هي ما حصل من نصر مؤزر فاجأ العدو قبل الصديق.
هذا عرض مبسط لإرهاصات وتفاعلات وأحداث ونتائج المعركة "الكرامة" ليسهل على " من يهرف بما لا يعرف" أن يعي ويدرك شاء أم أبى أن الكرامة ليست إلا تاريخ معطر بشذى مزيج من البارود والعرق والزغاريد. الكرامة ليست إلا حالة وطن بأكمله اتفق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه على أن نكون أو لا نكون، ولكن كنا ونكون وسنكون بحول الله.
وفي الختام، الكرامة تشكل رمزية من الطهر والعفة والقداسة بالنسبة للأردنيين، فمن يتجرأ عليها لن يجد إلا النار والشرار، لن يجد إلا الصفعات تتوالى على وجهه القبيح الذي يعكس ما بداخله الأسود الكريه، فحذاري ثم حذاري من غضبة النشامى.