18-06-2020 09:50 PM
بقلم : الدكتور حمزة الزبيدي
أثارت مقالتي(الجائحة والاحتراق الدراسي للطلبة) التي نشرت بتاريخ 7/16 الكثير من الملاحظات والرؤى والثناء بتناول هذا الموضوع المهم،وقد شجعني ذلك على أن أستكمل شكل الأحتراق النفسي للمعلم، وهم الخط الاول في التعليم ،حيث اثرت الجائحة عليهم بشكل قاسي ومؤثر بعد ان ولدت لديهم الارهاق والتعب والخوف والاضطراب.
والاحتراق النفسي Occupational burnout هو(حالة من الإجهاد العاطفي والعقلي والجسدي تنجم عن الضغط المفرط والمستمر، تحدث عندما تشعر بالإرهاق وتفقد قدرتك على أداء مهامك المطلوبة)بالشكل المناسب والمتعارف عليه.
ويصنف كمرض مؤشراته بعض العلامات
الجسدية والعقلية والعاطفية ،إضافة الى(علامات سلوكية تدل على إحتراقك، كالانسحاب من المسؤولية والانعزال عن الآخرين،الاحتياج لوقت أطول لإنجاز الأمور، تفريغ إحباطك في المحيطين بك، الخروج من العمل).
وتعرف منظمة الصحة العالمية الأحتراق النفسي المهني على أنه(إجهاد مزمن في مكان العمل لم تتم إدارته بنجاح) مع تحديد ثلاثة أعراض لذلك الاجهاد هي:
1- مشاعر إستنزاف الطاقة أو الإرهاق.
2- الضغط الذهني وزيادة المشاعر السلبية أو السخرية المتعلقة بعمل الفرد.
3- إنخفاض الكفاءة المهنية.
والأحتراق النفسي هو منهج في السلوك الأنساني حديث نسبيا إكتشف في بداية السبعينات من القرن الماضي من قبل علماء النفس الاجتماعي ونضج بدراسات متخصصة أهمها دراسات Christina Maslach و Susane Jackson وهما من علماء النفس الاكثر توسعا في البحث عام 1981 حيث طورا ما يعرف (متلازمة الأحتراق النفسي)للعاملين في المهن المختلفة حيث أكدا على ان الأحتراق النفسي هو متلازمة ثلاثية الأبعاد، عواملها سلوكية هي(النضب الوجداني وسلب الشخصية وتدني الإنجاز الشخصي)تظهر لدى الأفراد وتغير سلوكهم وتتعب نفسيتهم. ويرجع النضب الوجداني(إلى فقدان الطاقة وإلى الشعور بنضب الموارد الوجدانية،فيشعر الفرد أنه فارغ عصبيا) ويمثل سلب الشخصية(البعد الشخصي البيني ،فهو يشير إلى تطور تصرفات غير شخصية، وميول إنفصالية، وسلبية، وساخرة). ويتعلق فقدان أو تدني الإنجاز الشخصي(بشعور الفرد بانعدام قيمة عمله، وكفاءاته، والأعتقاد بأنه فاشل في الوصول لأهدافه، وإنخفاض الرضا والبحث عن الذات).
ومتلازمة الأحتراق النفسي هي مرض أيضا(يتسم بأعراض ومتغيرات في السلوكيات المهنية)، وقد تم تصنيف هذه الحالة من الإرهاق ضمن فئة(الأمراض ذات المخاطر النفسية الاجتماعية المهنية، لكونه ناتجا عن التعرض لضغوط دائمة وممتدة)
وإستمرت دراسات(ماسلاك وجاكسون) البحثية حتى توصلا الى تطوير مقياس لتلك المتلازمة عرف
Maslach Burnout Inventory Manual
وقد تم نشر البحوث الأولية حول هذا المقياس في عام 1998وأتاح(سهولة قياس أعراض متلازمة الأحتراق النفسى الوظيفى لدى مجموعات كبيرة ودراسة أسبابه بشكل منهجي).وأصبح أكثر المقاييس إستخداما في قياس متلازمة الاحتراق النفسى الوظيفى.
لقد أثرت الجائحة تاثيرا قاسيا على التعليم بشكل عام وعلى مهنة التدريس بشكل خاص ،وأحاطتها بمخاطر أكثر من غيرها كونها مهنة فيها درجة من الاعتبار الاجتماعي والاخلاقي فهي:
1- تستلزم جهد فكري وعقلي ووجداني وعاطفي.
2- تستدعى مسؤولية أخلاقية كبيرة لا سيما تجاه الآخرين.
3-ذات أهداف صعبة المنال بل قد تكون مستحيلة. 4-مهنة بها غموض أو صراع على الأدوار.
ومن يمارس هذه المهنة يكون أكثر عرضة للإصابة بمرض المتلازمة النفسي والسلوكي لانهم:
1-أشخاص لديهم مثل عليا في الأداء والنجاح.
2-أشخاص يربطون الرضا عن الذات بالأداء المهنى. 3-أشخاص مركز اهتمامهم الوحيد هو عملهم
4-أشخاص يعتبرون عملهم ملاذا ويهربون من جوانب الحياة الأخرى.
لقد(أنعمت)الجائحة علينا بمزيد من الضغط النفسي والأرهاق الأجتماعي،ورغم أهمية الحجر المنزلي كوسيلة لمواجهة الجائحة وممارسة العمل داخل المنزل ،إلا انها تتسبب في إصابتنا بالأجهاد النفسي والسلوكي وزيادة حالات الخوف والأضطراب مما أدى الى مزيد من الأحتراق النفسي،ودخولنا في متلازمته التي زادت من الإرهاق التام والتعب النفسي والشعور من ان الأصابة بكورونا سترافقنا أو ترافق أحد أفراد عوائلنا مما جعلنا (ننسحب عن الآخرين ونواجه صعوبة إنجاز المهام في العمل أو صعوبة العمل على الإطلاق).
ان التدريسين والمعلمين شريحة علمية لا تعوض ويجب الأعتراف إن البعض منهم قد أصابتهم متلازمة سلوكية قاسية هي متلازمة الأحتراق النفسي مما يستلزم الجهات المسؤولة وضع إستراتيجيات رعاية خاصة تبعهدهم عن الخوف والقلق والبؤس وتضمن لهم رعاية خاصة بعد إبتعادهم عن مؤسساتهم التعليمية والتحول بالتعليم نحو إستراتيجيات التعلم عن بعد وترسيخ هذا المنهج حيث إن تاثير الجائحة متوقع لها أن تستمر للعام الدراسي القادم.وان تحقق هذا الاحتمال فان من يتعرضون الى الأحتراق النفسي لابد وان يزداد عددهم وتزداد معهم المشاكل النفسية والسلوكية مما يصعب معالجتها لاحقا.